قلم الإرادة

حكايات تشابهت .. غزة والبوسنة

لم أتخيل يوماً من الأيام أن تطأ قدمي هذه الدولة التي تسمى البوسنة والهرسك بسبب الهول عما سمعناه وشاهدناه من صور ومآسي ومجازر وقتل وتهجير وسفك الدماء والقصص المروعة والإبادة الجماعية في سربرنيتسا من قبل الصرب ضد المسلمين التي حصلت في تسعينات القرن الماضي ووصفت بأنها من أسوأ الجرائم بالأراضي الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية.

أتت الفرصة وسافرت إلى هذا البلد لأول مرة ومتشوق جداً لزيارتها وخاصة بدأت تظهرت إعلانات للسياحة لهذا البلد بعد سنوات من الحرب وسافرت في أبريل 2015 وكل من يسأل: أين سافرت؟ أجبته: البوسنة لم يصدق الذهاب للسياحة في ذلك الوقت للبلد البلقاني غير معروف سياحياً بكثرة.

معرفتي في البوسنة كأغلب العوام حرب .. إبادة .. حصار .. نفق؛ فأول مكان اخترته للزيارة سربرنيتسا المدينة الجبلية الصغيرة التي تبعد عن العاصمة سراييفو حوالي 130 كم؛ التي وقعت فيها المجازر المروعه بحق المسلمين في تسعينات القرن الماضي وتحديداً عام 1995؛ عند الوصول مكان هادئ وبارد في شهر أبريل .. رهبة المكان .. استذكار الصور والمآسي لحظات رهبة وهيبة؛ ومن ثم الذهاب إلى نفق الحياة القريب من العاصمة سراييفو نفق الأمل الذي أنقذ البوسنه في الحرب التي عرضت لحصار مطبق وقصف متواصل؛ ولاستمرار الصمود .. لا بد من وجود مخرج وجاءت الفكرة في تنفيذ نفق يربط بين منطقتين يسيطر عليه المقاتلين البوسنيين بقرب المطار؛ وبعد شهور من الجهد والتعب والتضحيات وضعف المعدات والحفر بأجراء بالغة الصعوبة وحصار وقصف ومراقبة تم إنجاز النفق؛ وكان طوق نجاة للبوسنيين في هذا الحرب؛ حكاية كفاح نفق أنقذ بلد.

ثم بدأ التجوال في البوسنة والتي تحدثت عن جمالها؛ أرض الطبيعة والهدوء والاسترخاء والأمن والأمان البوسنة … الطبيعة الجذابة؛ المناظر الخلابة؛ الجبال الشاهقة؛ الرحلات المتنوعة؛ المغامرات المختلفة؛ الجبال العالية؛ الأنهار الجارية؛ المياه الصافية؛ البلدات الساحرة؛ الأجواء النقية؛ هناك من يشبه خريطة البوسنة بالقلب كأنها تتحدث لترحب بزوارها.

غزة الغزة .. غزة الصمود والشموخ .. غزة الأبيّة .. التي تدافع عن الأمة .. غزة الحكاية والإبادة والحرب والدمار والركام .. لم يسلم البشر والحجر والشجر .. من كيان مختل معتل محتل .. يتعرض لأبشع أنواع الظلم على مسمع ومرأى العالم .. الكلمات لا تتسع ولا توصف بشاعة الإبادة وما ينقل جزء يسير على أرض الواقع.

(مترو غزة) باختصار متاهة وأنفاق غزة التي حيرت العالم؛ حياة كفاح لسنوات .. في المنطقة الأكثر كثافة في العالم والأقل أمية .. وثباتهم كالجبال .. صغيرة المساحة كبيرة الأفعال .. نضال شعب لم ينكسر رغم قساوة الأيام.

قرأت ذات مرة تغريدة في تويتر منصة x هذه التغريدة: “هناك رغبة عند كثير من الشباب في العالم العربي موجهة على شكل رجاء لكتائب القسام بعد الانتصار على الاحتلال وأعوانه واندثار العدوان أن يجعلوا الأنفاق مزاراً سياحياً حتى يتعرفوا على منبع السعادة ومصدر القوة، لو فتحوها حتروح تزورها؟”.

تغريدة أشعلت هذا المقال تذكرت البوسنة؛ والجانب الآخر غزة التي تذهل العالم بما تقدمه من دروس في النضال والتحديات والصعوبات في وجه آلة القمع.

إن كان نفق الحياة نفق الأمل أنقذ البوسنيين والأرض تنتصر لأصحابها .. بإذن الله رغم القساوة والألم ينبت الأمل لأهل غزة من أرض الصمود إلى أرض التحرير ونشاهد عن قرب – بإذن الله – المدينة الباسلة.

••

عبد العزيز الدويسانكاتب في صحيفة الإرادة

X: @aziz_alduwaisan

مقالات ذات صلة