قلم الإرادة

استمرار الحرب الأوكرانية.. يعزز المصالح الخليجية

عندما كان الأميركان مستفردين بإدارة النظام العالمي دون منازع بين 1991م/ 2021م قاموا باجتياح ⁧‫العراق‬⁩ وتسببوا بشكل مباشر أو غير مباشر بموت مليون عراقي، كما قاموا باجتياح ⁧‫أفغانستان‬⁩ وتسببوا بشكل مباشر أو غير مباشر بموت أكثر من 110 ألف أفغاني، كما قاموا بتنشيط ورعاية الربيع العربي وخلقوا حالة رومانسية وغير واقعية لدى الشعوب العربية ودفعوا بهم بصدور عارية أمام فوهات المدافع باسم تعزيز عملية التداول السلمي للسلطة في الوطن العربي لتفريغ الحنق العربي وتوظيف رغبة التغيير في عمليات سياسية مضطربة في الوطن العربي بدلاً من الانشغال بعمليات انتقامية في العمق الغربي، وسقط ضحية هذه الاستراتيجية الأميركية ملايين القتلى وأضعافهم من الجرحى والنازحين والمتضررين مادياً ونفسياً واجتماعياً، كما أطلقوا خلال هذه الحقبة استراتيجية “عش الدبابير” وخلقوا كيانات ارهابية تسببت بعشرات الألوف من القتلى والنازحين في الوطن العربي بشهادة عميل الـ CIA سنودن.

لطالما كان الشرق الأوسط والعالم العربي ثم الإسلامي بالنسبة للإدارة الأميركية خلال هذه الحقبة الأحادية (1991م/ 2001م) مجرد مسرح عمليات عسكرية وحقل للتجريب والمقايسة واستعراض الهيمنة العالمية على حساب أرواح وأعراض ومصالح وجغرافيا المنطقة دون أي مُبالاة بالمعايير والمقاييس الأخلاقية، وعندما صعد ⁧‫بايدن‬⁩ في يناير/ 2021م لرئاسة البيت الأبيض أكمل مسيرة استراتيجية أوباما الذي كان نائبه في فترتيه الرئاسيتين المشؤومتين، وقلص مبيعات السلاح الضرورية للضغط على مخزون الصواريخ الاعتراضية التي تحتاجها منظومات الباتريوت الخليجية لضمان استمرارية كفاءة دفاعاتها الجوية، فكان ذلك بمثابة الرسالة التحفيزية لميليشيا ⁧‫الحوثي‬⁩ الإرهابية ليزيدوا معدل هجماتهم الجوية بالصواريخ الباليستية أو المسيرات بهدف تعميق الضغط على مخزون الصواريخ الاعتراضية الخاصة بمنظومات الباتريوت الخليجية المعنية بردع اعتداءات الحوثي الجوية، وكان جلياً أن الإدارة الأميركية كانت تخطط لمزيد من الضغط على الدول الخليجية خاصة، والعربية عامة وذلك ليس بمستغرب لأن إدارة ⁧‫بايدن‬⁩ امتداد طبيعي لاستراتيجية إدارة أوباما أصلاً.

ثم كان قدر الله في هذه الأثناء أن قررت ⁧‫روسيا‬⁩ اجتياح ⁧‫أوكرانيا‬⁩ الواقعة على حدود دول ⁧‫الناتو‬⁩ مما غيّر بشكل جذري حسابات أميركا تجاه الخليج بسبب تغيّر موقع ميدان العمليات من الشرق الأوسط، إلى شرق أوروبا أولاً، وثانياً بسبب دخول أداة “الطاقة” في معادلة الصراع الروسي/ الأميركي مما اضطر الأميركان خاصة والغرب عامة للجوء إلى أهم منتجي الطاقة (دول الخليج) للتمكن من معاقبة الروس وتحييد أهميتهم الضاغطة على امدادات الطاقة الأوروبية، هذا الاضطرار الغربي على دول الخليج المنتجة، سيمكننا من التفاوض على مكتسبات عسكرية واستراتيجية، وسيضمن لنا التمكن من اقتناص هذه المكتسبات من الغرب، وبنفس الوقت اضطرار الغرب علينا، يرفع أهميتنا لدى الروس لأن عدم تعاوننا مع الغرب بزيادة الإنتاج سيعني ارتفاع أهمية الطاقة الروسية لعدم وجود بديل أمام أوروبا عنها.

لذلك نقول: كلما استمرت الحرب الروسية على ⁧‫أوكرانيا‬⁩ أو على أي دولة أوروبية أخرى من خارج ⁧‫الناتو‬⁩ كلما كان ذلك لصالحنا كدول خليجية.

المهم نستغل الحالة الاستقطابية بشكل جيد وحصيف ونحافظ على حيادنا لإغراء كلا طرفي النزاع، ليقدم كل منهما مكتسبات أكبر لنا بُغية استمالة موقفنا الداعم.

هذه الحالة الدولية الاستقطابية ستفتح الأبواب لنا على مصراعيها لنلعب دور دولي فاعل ومؤثر بشكل غير مسبوق، والذي إذا وظفناه بشكل جيد سينعكس على مقدراتنا المادية والعسكرية والتقنية بنفس الوقت.

نحن أمام فرصة تاريخية لبناء الأساسات الضرورية لمحور دولي إسلامي بقيادة خليجية مستقبلاً.

••

عبد الله خالد الغانم – كاتب ومحلل سياسي

Twitter: @akalghanim11

مقالات ذات صلة