قلم الإرادة

بين الدعم الخليجي والتحزب اللبناني

يرتبط الخليج العربي بعلاقات تاريخية عمرها من عمر نشأة دولة لبنان الكبير، كانت هذه العلاقات قائمة دائماً على الاحترام المتبادل.

فعلى الصعيد السياسي كانت دول الخليج أحد الدعائم الرئيسي لاستقرار لبنان ووحدته، وظهر ذلك بشكل واضح عقب اندلع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975م؛ حيث بذلت دول الخليج وعلى رأسها الكويت والسعودية جهوداً حيثية لوقف الحرب، وأسفرت هذه المساعي عن عقد مؤتمر القمة السداسي في الرياض في 16 أكتوبر 1976م، انتهى بتشكيل قوات ردع عربية قوامها 30 ألف جندي، ونجحت الوساطة في التوصل لقرارات حاسمة لإنهاء القتال في لبنان، ذلك القتال الذي استمر ثمانية عشر شهراً ذاق خلاله اللبنانيون والفلسطينيون مرارة التدمير والتشرد والانقسام والتمزق.

كما ساندت دول الخليج لبنان في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة، فقدمت دول الخليج كافة أنواع الدعم للبنان خلال الحروب العربية – الإسرائيلية، ودعمتها خلال أزمة الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان عام 1982م، فشكل مجلس التعاون الخليجي مجموعة ضغط على الدول الكبرى لوقف الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان، وبعدها قامة عملية إعادة الإعمار، وحرب الاسرائيلية – اللبنانية عام 2006م، فقدمت المملكة العربية السعودية وحدها عقب انتهاء الحرب مساعدة إلى الدولة اللبنانية لمعالجة آثار الحرب تقدر بـ 746 مليون دولار، ومن خلال أرقام الحكومة اللبنانية الرسمية والمعلنة، فإن نسبة المساعدات السعودية تمثل 63 % من مجموع المساعدات التي قدمت للبنان بعد الحرب، وقدمت الكويت مساعدة قدرها 300 مليون دولار لإعادة بناء القري والمدن المدمرة، وكذا قدمت دول الخليج الأخرى مساعدات مالية ضخمة لإعادة إعمار لبنان.

أما على الصعيد الاقتصادي فإن القروض والمساعدات الاقتصادية الخليجية ساهمت بشكل رئيسي في تعزيز الاقتصادي اللبناني، فضخت السعودية وحدها في الاقتصاد اللبناني بين 1990 و2015، أكثر من 70 مليار دولار، بشكل مباشر وغير مباشر، بين استثمارات ومساعدات وقروض ميسّرة، وكذا ضخت الكويت في الاقتصاد اللبناني بين 1990 و2015 أكثر من مليار دولار في شكل منح وقروض فقط، بجانب الاستثمارات الكويتية المباشرة، والتى تجاوزت الملياري دولار عام 2011م.

وعقب انفجار مرفأ بيروت عام 2020م قدمت دول الخليج مساعدات إنسانية عاجلة للمتأثرين من الانفجار، تضمنت مساعدات مالية وأدوية ومعدات طبية، إضافة إلى مواد ضرورية أخرى.

وفي المقابل فإن الحكومة اللبنانية لا تقدر كل هذا الدعم، خاصة في ظل الدور المشبوه الذي يلعبه الحزب داخل لبنان وخارجه بمساعدة إيران لزعزعة استقرار الخليج، ونتيجة لذلك تشهد العلاقة بين لبنان والخليج فتورا منذ سنوات، فمنذ تورط الحزب في حرب اليمن وتدريبه مجموعات في الضاحية الجنوبية وتهجمه الدائم على المسؤولين السعوديين، واستمرار عمليات تهريب “الكبتاغون” إلى الخليج، تراجعت العلاقة بين لبنان والخليج، مقابل صمت لبنان الرسمي سواء على مستوى رئيس الجمهورية أو على مستوى الحكومات المتعاقبة، التي اكتفت طوال الأزمة ببيانات غلب عليها الشعارات، من دون أي إجراءات جدية تثبت تموضع لبنان في مكانه الطبيعي إلى جانب الدول العربية.

كانت أخر هذه الأزمات تصريح وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، والتي وصف فيه الحرب على اليمن بـ”العبثية”، وأن ما تقوم به جماعة الحوثي يعد “دفاعاً عن النفس، ولم تنجح مساعي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لدفع قرداحي إلى الاستقالة، ورفض حتى الاعتذار، بعد أن تحصن برفض الحزب لاستقالته.

رفض مجلس التعاون الخليجي تصريحات قرداحي “جملة وتفصيلاً”، وقال إنها “تعكس فهماً قاصراً وقراءة سطحية للأحداث”، وطالب المجلس الدولة اللبنانية بتوضيح موقفها، وصرح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان: “تصريحات الوزير قرداحي هي دليل على الواقع، واقع أن المشهد السياسي في لبنان لا يزال يهيمن عليه الحزب… الموضوع بالنسبة لنا أوسع من مجرد تعليقات وزير”.

واستدعت السعودية سفيرها في لبنان للتشاور، وكذلك طلبت من سفير لبنان لدى المملكة المغادرة، كما قررت السعودية أيضا وقف كافة الواردات اللبنانية إلى المملكة، وبعدها فاستدعت الخارجية الكويتية سفيرها من لبنان، وطلبت من القائم بالأعمال اللبناني لديها مغادرة أراضيها، وأعلنت السلطات الإماراتية أيضاً أنها سحبت دبلوماسييها لدى بيروت، كما أصدرت قراراً بمنع مواطنيها من السفر إلى لبنان، وطلبت وزارة الخارجية البحرينية من السفير اللبناني في المنامة مغادرة المملكة.

وأعربت وزارة الخارجية القطرية عن استنكارها لتصريحات جورج قرداحي بشأن اليمن، داعية الحكومة اللبنانية إلى اتخاذ “إجراءات رأب الصدع بين الأشقاء”، كما أعربت وزارة الخارجية العمانية عن أسفها العميق” وقالت وزارة الخارجية العمانية في بيان إنها “تدعو الجميع إلى ضبط النفس والعمل على تجنب التصعيد ومعالجة الخلافات عبر الحوار والتفاهم”.

وتأتي هذه الأزمة في الوقت الذي تعول فيه لبنان على دول الخليج بدعمها المالي لإخراجها من أسوأ أزمة اقتصادية، بالإضافة إلى خشيت الجالية اللبنانية في الخليج من أن يؤثر ذلك على وضعهم في ظل وجود أكثر من 500 ألف لبناني في الخليج ، بينهم نحو 250 إلى 300 ألف مقيم في السعودية وحدها، وحوالي 150 ألف لبناني في الإمارات، ونحو40 إلى50 ألف في الكويت، والعدد نفسه في قطر.
وإذ توقفت تحويلات المغتربين من دول الخليج إلى المصارف اللبنانية والمقدرة بنحو 1.9 مليار دولار، وهو ما يشكل 25% من إجمالي تحويلات المغتربين اللبنانيين حول العالم ، فإن ذلك سيشكل كارثة على الاقتصاد اللبناني.

وعلى الرغم من ذلك فإن دول الخليج ما زالت متمسكة بالحفاظ على لبنان من الانهيار، خاصة وأن الشعب اللبناني يدرك حقيقية الوضع القائم ودور الحزب في هذه الأزمة لذلك فقد حرصت الحكومات الخليجية على طمأنت الجالية اللبنانية في الخليج، فصرحت الحكومة السعودية مؤكدة “حرصها على المواطنين اللبنانيين المقيمين في المملكة، وأنها لا تعتبر أن ما يصدر عن السلطات اللبنانية معبرا عن مواقف الجالية اللبنانية المقيمة في المملكة.

••

شباب عبد الله بن نحو – باحث سياسي

Twitter: @ALrashedshbabb