أبرز العناوينإقليمي وعالمي

الكاتب الصحفي عبد الرب الفتاحي: اليمنيون خسروا الكثير بسقوط الدولة والأحزاب التي واجهت صالح أرادت الانتقام منه

خاص – الإرادة:

يتناول عبد الرب الفتاحي وهو كاتب صحفي وخبير سياسي يمني، تخرج من جامعة عدن قسم الصحافة والإعلام في 2007، ظروف الصراع في اليمن وخيارات الأطراف المتصارعة والثمن الذي دفعه اليمنيين، من جراء الحرب التي تسببت بانهيار منظومة الدولة، وتعطل المؤسسات وتمزق المجتمع، وتفكك الواقع الجغرافي والسياسي لليمن.

وجود تعقيدات في المشهد السياسي اليمني، تعود وفق رأي الكاتب والمحلل الصحفي اليمني عبد الرب الفتاحي، إلى أسباب داخلية ترتبط باليمنيين أنفسهم، خاصة السياسيين وقادة الأحزاب والذين جعلوا من اليمن مركز الصراع وهم من أسسوا لحالة العبث بمصالح بلادهم، وتسبب ذلك بتحول هذا الصراع وفق الرغبات السياسية والمذهبية والمناطقية الممولة خارجياً، وهذا حسب تعبيره عقد الوضع اليمني أكثر وأصبحت الحرب في اليمن، تمثل جانب كارثي وتتحدد بناءً على خيارات الاطراف المستفدة منها في نطاق الواقع اليمني، والتي لا ترغب بتحقيق أي اصلاحات سياسية واقتصادية، وتسعى إلى اطالة أمد الحرب.

وعن الدور الخارجي والسياسة الدولية والإقليمية فيما يخص الملف اليمني، وصف عبد الرب الفتاحي أن هذا الدور سلبي فهناك دول خارجية وإقليمية، أصبحت لديها حساسية من وجود دولة يمنية موحدة وقوية ومستقلة.

وانتقد تلك الدول كونها أضعفت كل خيارات الحل، فيما يرتبط بوضع قواعد وظروف للمحافظة على الدولة اليمنية، وكيانها وشجعت نحو الانقسام السياسي والاقتصادي والجغرافي، واستنزفت كل المراحل للوصول للسلام أو حسم الحرب ضد جماعة الحوثيين، لتدفع بذلك اليمنيين نحو انهاك كل مقدراتهم، لتصنع لهم الخيار الذي ثمنه تدمير مكتسباتهم ودولتهم، وتحويلهم ليكونوا عبارة عن مجتمع متعدد ومفكك تحكمه رغبات الأطراف المتسببة بهذه الحرب، والمستفيدة من بقاءها، وهذه الأطراف وفق تناوله لها “هي عبارة عن قوى تحرك الحرب وتعيق الوصول لحلول مناسبة، وتعمل على حماية جماعة الحوثي وإيجاد كل السبل لتوفير الظروف لبقاء الحرب، وهذه الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية تعمل على إطالة الأزمات الإنسانية في اليمن.

آثار كارثة 2011

ينظر عبد الرب الفتاحي إلى نتائج ما خلفته أحداث اليمن في عام 2011، على أنها كانت تغير يقوم وفق خريطة من الفوضى والانتقام السياسي، أكثر من كونها خيار مدني حقيقي يرتبط بقواعد ودوافع وطنية.

ويعتقد أن هناك من أراد احلال منظومة سياسية تحل وتفرغ النظام الذي كان عليه صالح، لتؤسس حالة سياسية خاصة بها، لكن ذلك لم يكن خيار أمن ودائم فسرعان، ما تغيرت لعبة التحالفات السياسية التي اتجهت لنزع صالح من السلطة، دون أن يكون لديها القدرة في المحافظة على شكل الدولة.

وحدد عبد الرب الفتاحي مسار الخلل ما بعد 2011 على أن ذلك كان تعبير اجتماعي يرفض التهميش، لكن هناك نوازع مناطقية في كل محافظة تعايشت مع صالح، بشكل مختلف عنها وهناك نظرة خاطئة نحوه على أنه ليس مؤهلاً لقيادة البلد، وكانت هناك مناطقية تحتفظ بها كل محافظة من المحافظات، حيال مسألة الحكم والتوظيف واختيار القيادات، ومدى اهتمام النظام بها أولاً.

لكن عبد الرب الفتاحي يشير أن هناك من عمل على إسقاط نظام صالح لما كان يمثله كنظام لم يمارس تغير اقتصادي حقيقي كما أن تراجع الواقع المرتبط بمعيشة الناس، وانخفاض الرواتب هو كان من ك أهم دوافع التغيرات التي حدثت، كما أن هناك من كان يرفض سيطرة مناطق اعتمد عليها صالح في الحكم والتوظيف داخل الدولة، وهناك محافظات ومناطق لديها نظرة سلبية اتجاه أبناء المناطق الشمالية القبلية على أنهم من يمارسون الحكم والنفوذ وهذه نظرة مناطقية وعنصرية بشكل غير منطقي.

ويرى أن الجميع كان متفق على أبعاد صالح وفق اعتبارات كثيرة، ترتبط بالسلطة والسيطرة على الدولة، وتنفيذ الاجندة التي تخدم القوى السياسية التي شاركت في مواجهة صالح، والثأر منه لقدرته على فرض وجوده على مصالحها وخياراتها في فترة من الفترات.

وحسب رأيه فإن الخيارات غير المحسوبة سياسياً تتجه لصناعة أزمات أعمق، وتتسبب بتفككات أخطر فكل الأحزاب التي رهنت على سقوط صالح، أظهرت واقع ماكانت تكنه من التعاطي غير الوطني وأحدثت خلالاً كارثي في عمق الدولة، وتسببت إلى هذه الانهيار لأنها كانت ترى أن صالح هو المشكلة ولم تكن تملك رؤية حقيقية لما ينتظر اليمن من مخاطر وأزمات.

وكشف أن دوافع الاحزاب التي واجهت النظام كالإصلاح والناصريين والاشتراكيين كان الانتقام الماضيها، والحصول على الدولة لتنفيذ شراكة تقاسم ومحاصصة مع بعضها، ووفق المساحة السياسية والتوظيف الذي جعلها تخترق الدولة لمن ينتمون لأحزابها، ومن يخضعون للولاء لها واستبعدت الشخصيات والقوى الوطنية واكتفت بالمحافظة على واقع تعاطيها مع السلطة الجديدة، ولم تدافع عن حقوق الناس وحمايتهم ومواجهة الظروف الاقتصادية التي تحيط بهم.

الانتقام والعداء

من الأخطاء التي يرأها عبد الرب الفتاحي والتي سارعت في إضعاف مركز القوة في الدولة اليمنية، وسيطرة الحوثي على اليمن واحتلاله للمحافظات هو النظر للنظام، باعتباره سبب لكل المشاكل، وهو من يتحمل كل نتائج أخطاءه وحاولت فرض حالة من القيود والمواجهة مع النظام وفق مصالح تخصها وذلك من خلال التركيز على الجوانب السياسية.

ويفسر عبد الرب الفتاحي على أن العدائية المفرطة لعلي عبد الله صالح وعائلته، شكل حالة ضعف داخل الدولة التي كانت تعتمد على نظام جمهوري وقتها، وكان الجميع يتمتع بقانون وتسامح من الدولة مع الجميع مع أن الفساد الذي كان يمثله النظام أقل من الفساد الذي يمارس في الوقت الراهن من قبل الحوثيين والأحزاب والشخصيات القريبة من الحكومة المعترف بها دولياً.

ويجد أن تنازل صالح عن السلطة كان يجب أن ينال احترام من الجميع، دون أن يختار البعض سواء أحزاب وشخصيات في الدولة المواجهة معه، وفرض حالة من الإقامة الجبرية عليه وتجميد أمواله، واستبعاد أقربائه من كل المناصب التي كانوا عليها وكذلك منعه من السفر.

واعتبر الهجمة على صالح وعلى الجيش الذي كان يملكه في ذلك الوقت، على أنه من أكثر ماقلل من أهمية القوة التي كان يملكها والتي لم تلحق الضرر بأحد وظلت تنفذ مهامها بشكل وطني، وحافظت على حياة الكثير، لكن عدائية المعارضة السياسية ضللت الجميع، وخلقت وعي سياسي يقوم على المكايدة لتفرض خيار إنهاك وإضعاف هذه القوة وإقناع الجميع بضرورة التخلص منها.

ويرى أن الاستنقاص الذي قامت به الاحزاب المعارضة لصالح كان يتحدد وفق مصالح سياسية وشخصية، لكنها فشلت حتى بعد الإطاحة به واتجهت لتكون توجهاتها محدودة، وسعت لتوفر لنفسها أجندة ضيقة، ولم تحمل أجندة وطنية ولم تسعى للقيام بتشكيل مشروع وطني، بقدر ما أتجهت للانصهار في واقع السلطة وتوظيف وجودها داخلها.

تمديد وإفراغ للدولة

يتحدث عبد الرب الفتاحي على أن الإخلال بالمبادرة الخليجية والتي هيئت لانتقال السلطة بعد صالح، وأن عدم الالتزام ببنودها خاصة المرتبطة بالفترة الانتقالية المحددة، بعامين هو من أكثر الاخطاء التي وفرت للحوثيين فرصة الانقضاض على الدولة في اليمن.

ويؤكد أن الاستمرار في وجود فراغ دستوري مثل أحد الخيارات التي راهنت عليه بعض القوى والأحزاب، لتضمن لوجودها التوسع في داخل الدولة لتكون وفق أهدافها، وهي المستفيدة من التمديد بشكل يخالف مضامين المبادرة، وحتى تجد كل الظروف لتعزيز هذا الحضور الخاص بمصالحها بشكل يعطيها حق السيطرة على القرارات والتعيينات.

وشدد عبد الرب الفتاحي على خطورة تلك الخطوات في حينها هو الدخول في حوار وطني ووفق سياسة اعتمدت على واقع التجارب السياسية في العقود الماضية.

وانتقد هذا التوجه من قبل من اقترحوا إجراء الحوار في ذلك التوقيت؛ لأن ذلك وضع واقع الدولة ليكون رهينة بمخرجاته وكان الحوثيين يتجهون للانقضاض على الدولة والتوسع في المناطق المجاورة لهم حتى وصلوا لمدينة عمران.

وندد بطريقة ردة الأحزاب والسلطة وقتها، فهي لم تتعاطى لخطورة الوضع وببنما كان الجميع يرتب خياراته وأجندته السياسية في الفراغ كان الحوثيين قد وضعوا خطة إسقاط الدولة.

ويربط عبد الرب الفتاحي كل تلك الاخفاقات، بحالة غياب أي مشروع وطني للأحزاب وارتهانها للتوافقات والمحاصصة، وتنفيذ واقع نظرتها المحددة للسلطة والدولة.

وقال: “لو كان الجميع نفذ المبادرة الخليجية واستكمال تنفيذها في انتخاب رئيس الجمهورية، لكن اليمن تعدت مرحلة الخطر ولاستطاع الرئيس الجديد تنفيذ مهامه الدستورية، وكان بمقدوره مواجهة مشروع الحوثيين”.

واعتبر أن أكبر الاخطاء التي أدت لسقوط الدولة هو الذي أعطى الحوثيين مساحة من التعبير واعتبرهم جزء من الحل السياسي، والسماح لهم بممارسة أنشطتهم بكل حرية بينما كانت أهدافهم عدائية.

ضعف مواجهة الحوثي

من أهم عناصر الفشل في مواجهة الحوثي والانتصار عليه، يتمثل وفق تأكيد عبد الرب الفتاحي في عدم التوجة لبناء مؤسسة عسكرية حقيقية، والتمسك بالمحافظة على طبيعة الجانب العسكري، وتعين قيادات عسكرية في مهام القيادة وإدارة الحرب وفرض القوانين التي تجعل هذه المؤسسة بعيدة عن الاحتكار والاستغلال.

وتضمن حديث عبد الرب الفتاحي خطورة عدم إيجاد آلية للبدأ بتشكيل الجيش، وقتها أي بعد الحرب على الحوثيين في عام 2015 وتحديد أولوياته ومبادئه وإخراجه عن التوظيف السياسي.

وأشار أن ذلك جعل واقع إدارة المعركة ضد الحوثيين، غير واضحة خاصة من قبل الحكومة المعترف بها دولياً، وظل هناك من بقوم بمهام الجيش ويتلقى الدعم المالي والتسليح، بينما تم اقحام الجيش بشخصيات وقيادات مدنية، وتعرضت الكثير من القيادات العسكرية للظلم واستبعادها من تولي مهامها، وذلك في محاولة بعض القوى لتملك الجيش ووضعه في خدمة مشروعها السياسي.

وأضاف أن إعاقة وجود جيش وطني حقيقي، يخضع لمعايير حقيقية هو الذي تسبب بسقوط الكثير من المناطق والمحافظات تحت سيطرة الحوثي، وأن وجود مؤسسة وطنية للجيش اليمني! كان سيحقق انتصارت سريعة ضد الحوثي بعد ثلاث أعوام من انقلابه على الدولة وتحقيق الهزيمة على مشروعه السلالي.

وأرجع سبب بقاء الحوثي بهذه القوة، هو استمرار الحسابات السياسية التي أصبحت هي من تحدد إدارة الحرب، وتحول الصراع ليكون لعبة وتجارة وسياسة.

وقال: “الجيش اليمني بحاجة لإصلاح جذري، وتحريره من القيود والخيارات السياسية، ووضع قيادات عسكرية لتتولى ترتيب وإصلاح كل الاختلالات السابقة، والتخطيط لمعركة حقيقية ضد الحوثيين.

الفشل الاقتصادي

يعتقد عبد الرب الفتاحي أن الحكومة المعترف به دولياً لم تقوم بتحرك حقيقي لإنقاذ الاقتصاد؛ بل مارست تغيب المعالجات للحفاظ على قيمة العملة الوطنية.

وحذر أن بقاء محافظات كمأرب وحضرموت وشبوة وتعز لتكون أشبه بمناطق منعزلة، وتجميع الإيرادات والضرائب ومبيعات الغاز والنفط فيها، دون أن تحصل الحكومة على تلك الأموال من أخطر السياسات، والأجندة الخاصة التي لا تحقق الاستقرار والتنمية، في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها اليمنيين سواءً مع بقاء رواتب الموظفين متدنية، أو قطاع الحكومة لرواتب العسكريين.

وعن الاستقلال المالي والاقتصادي للحوثيين، رد عبد الرب الفتاحي: “أن جماعة الحوثي لا يملكون اقتصاد من الأصل فكل أموالهم تقوم على النهب والسلب وفرض إجراءاتهم تلك من دون أي قوانين”.

واعتبر نهج الحوثي على أنه نهج مليشياوي يخضع لواقع ابتزازهم لليمنيين، والحصول على أموال ضخمة تذهب لقياداتهم ومشرفيهم، دون أن تتولى جماعة الحوثي صرف المرتبات رغم الأموال الهائلة التي تحصل عليها.

وكشف أن الحوثيين أصبحوا بعد الحرب من الأثرياء وتوزعت مراكز نفوذهم الاقتصادي، ليمتلكوا الكثير من الشركات والمؤسسات، وهم من يحتكرون تجارة المواد الغذائية والغاز والوقود.

وذكر عبد الرب الفتاحي الدور الذي يلعبه الحوثي في منع توحيد العملة اليمنية، ومحاولاتهم الابقاء على عملتين مستقلتين، لأنهم وفق تعبيره المستفيدين من ذلك، وهم من يسعون لتفكيك اليمن سياسياً، واقتصادياً، لتحقيق مشروعهم السياسي الذي يقوم على القتل والتجويع وإدارة الأزمات.

الخليج واليمن

يعتقد عبد الرب الفتاحي أن أكبر الأخطاء هو أن يتنازل الخليج عن واقع وجود اليمن، ويشارك في أي خيار لتحقيق مثل هذا المشروع.

وأضاف أن روسيا التي تدخلت في سورية ما زالت تعمل على تحقيق وحدة الدولة السورية، باعتبار ذلك من أولوية مهامها الأخلاقية والإنسانية والدولية.

وذكر الدور المصري القومي الذي تحرك لحماية ليبيا، وضمن وجودها السياسي وضمان وحدتها.

وقال: “الدول الحقيقية تعمل على ضمان استمرار واستقرار الدول المحيطة بها، والمحافظة على وجودها، واليمن جزء من الخليج ولا بد من احترام سيادته واستقلاله، وضمان وجوده كدولة قوية ذات سيادة؛ لأن ذلك سيكون إضافة مهمة لتعزيز قوة الخليج في مواجهة المشاريع المعدة لتفكيكه والقضاء عليه.

وأضاف أن الدور الخليجي يتحدد بضرورة حماية اليمن، من التفكك والتفتت ودعم جهود اليمن في استعادة وجودها! وضمان تحررها من التدخلات الإيرانية التي تهدف لوضع اليمن ليكون ضمن أحد مشاريعها في مواجهة الخليج، حتى تستطيع تهديد الدول الخليجية واستغلالها وضرب مصالحها.

خطورة الحوثيين

يرى عبد الرب الفتاحي إلى أن حركة الحوثيين هي أخطر الحركات المذهبية المتشبعة بالعنف والتي لا تعترف بانتمائه لليمن أو العرب وهي وضعت نفسها لترتبط بالأجندة الإيرانية.

وقال: “اليمنيون أصبحوا شعب يعاني في ظل ممارسات ممنهجة لجماعة الحوثي التي تريد فرض وجودها وأجندتها عليهم بشكل عنيف، من خلال النهب وتجويع اليمنيين ومنع مرتباتهم وسلبهم كل ما يملكون”.

وأضاف أن الكل يرغب في زوال هذه الجماعة وهذا لن يتحقق إلا من خلال إدراك اليمنيين.، لخطورة بقاء الحوثيين على مستقبلهم ومستقبل دولتهم.

وأوضح أن الحل بيد اليمنيين، وهم من تقع مسؤلية مواجهة الحوثي على عاتقهم، فاستمرار الحوثيين في السيطرة على الكثير من المناطق، يعني استمرار الأزمات الاقتصادية وتفكك البلد وانهيار الخدمات، وهذا سيكون له تبعات ونتائج، ما لم يقرر اليمنيين القيام بدورهم للمحافظة على كيانهم وهويتهم، ورفض المشروع الإيراني الذي أقحم اليمن لتكون ورقة من أوراقه السياسية وتسبب بالدمار والحرب التي ما زالت تحيط باليمنيين.

مقالات ذات صلة