المجلس الرئاسي وتعقيدات أزمات الداخل والخارج على تحركاته
يجد المجلس الرئاسي اليمني نفسه محاط بظروف بالغة الصعوبة، والتي حشر في عمقها لذلك يحاول جاهداً تجاوز واقع معقد، بإمكانيات محددة ليؤدي مهمة هي الأكثر تعقيداً.
تحيط بهذه المجلس تراكمات نتيجة سوأ الإدارة السياسية والاقتصادية، التي ورثها المجلس الجديد عن السلطة السابقة، للرئيس عبد ربه منصور وهي من عززت حجم الفساد والعبث بشكل واسع، خلال حقبة الحرب ولم تجري أي إصلاحات على الواقع السياسي والاقتصادي.
لكن أخطر ما سيحدد مستقبل هذا المجلس هو في تأديته لوظيفته بناءً على مساحة سياسة شائكة، وملغمة وفق ظروف الأطراف التي تشارك المجلس في الطبيعة الشكلية لكنها تختلف معه من حيث المضمون، ولاتريد منه تجاوز واقعها وتلتزم بخطاب تفكيكي، غير مستوعبة طبيعة المرحلة وتريد البقاء بكل كيانها العسكري والسياسي.
يبدو حتى الآن أن المجلس الرئاسي يعيش في حالة من التخبط في رسم أولوياته ،حيث يعود السبب إلى نوع من الاختلافات بين المكونات المشاركة فيه، دون أن يضع قدمه على أهم طرق الحل حتى الآن.
فالواقع الاقتصادي والظروف التي يعيشها اليمنيون؛ لاتطاق في ظل تدني مرتبات الموظفين والعسكريين وارتفاع الأسعار، بينما تجاهلت الحكومة أي إصلاحات ولم تتدخل طيلة الفترات السابقة، لإيجاد حلول ناجعة تقضي على الوضعية المحتكرة لمجموعات اقتصادية، وشركات محددة أصبحت في الواقع، تعمل على تحقيق مصالحها والحصول على أضعاف مضاعفة من الربح، وترفع الأسعار وتحتكر السلع بشكل واسع في ظل تقاعس الحكومة.
ما يميز المجلس الرئاسي الذي تشكل في شهر أبريل الماضي، أنه يقوم بمهامه بطريقة منتظمة من مدينة عدن، وقام بعد الإعلان عن كيانه في العاصمة السعودية ليقوم بالتوجه لإدارة العمل السياسي والاقتصادي من الداخل اليمني.
تقف أمام هذا المجلس الجديد ظروف تحددت في الجانب الاقتصادي والسياسي بدرجة رئيسية، وإن كان قد شكل لجنة عسكرية وأمنية في أواخر شهر مايو أقر بموجبها مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، تشكيل اللجنة الأمنية والعسكرية المشتركة لتحقيق الأمن والاستقرار، وإعادة هيكلة القوات المسلحة والأمن بموجب المادة 5 لإعلان نقل السلطة.
تشكيل لجنة أمنية وعسكرية أول خطوات نجاح المجلس الرئاسي، فهو سينتزع مخالب الأطراف المهيمنة على طبيعة القوة، والتي ظلت تهيمن على وضع العديد من المناطق، كما أن هذه اللجنة المشتركة ستعمل على تحقيق الأمن والاستقرار وستنفذ وظيفتها من خلال الإعتماد على سياسات ،قد يكون من شأنها منع حدوث أي مواجهات مسلحة في كافة أنحاء الجمهورية.
هذه اللجنة لها الصلاحية في اتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق تكامل القوات اليمنية تحت هيكل قيادة وطنية موحدة، وذلك في إطار سيادة القانون وإنهاء الانقسام في القوات المسلحة ومعالجة أسبابه، وإنهاء جميع النزاعات ووضع عقيدة وطنية لمنتسبي الجيش والأجهزة الأمنية، والقيام بأي مهام يراها المجلس ضرورية لتعزيز الاستقرار والأمن.
لكن في ظل تجاهل الواقع الاقتصادي وتعزيز وتطوير هذا الجانب، وتنمية الإيرادات ومواجهة الفساد واعادة تطوير قدرات اليمن، ستكون مثل هذه السياسات صعبة.
في الواقع لا يمكن للمجلس الرئاسي رسم طموحه وتنفيذ برنامجه، ما لم يعيد تنقية كل المناطب الحكومية والمراكز المهمة والنفطية من القوى الفاسدة، التي احتكرت تلك الوظائف وجعلت كل تلك الإمكانيات تنصب لصالحها.
كما أن نهب ايرادات المحافظات اليمنية المحررة أدى لضياع مليارات الريالات وفق حالة من نهب تلك الأموال من قبل جهات متعددة، وبذلك عانت الحكومة من عجز كامل أضعف نشاطها والتزاماتها.
سيكون على المجلس الرئاسي اليمني خلال الفترة القادمة إجراء تغير حكومي شامل، والتعاطي مع ظروف البلد بكل جدية، لكن كل ذلك يحتاج إلى دعم خليحي للإصلاحات والقرارات والتوجهات التي سيقوم بها المجلس، ومعاقبة للاطراف والقوى التي ستظل تمارس نفس سلوكها في إعاقة المجلس، ومنعه من تنفيذ إصلاحاته لتظل متحكمة بالواقع السياسي والاقتصادي والعسكري بناءً على مصالحها وطبيعة مشاريعها الضيقة والمحدودة.
••
عبد الرب الفتاحي – كاتب في صحيفة الإرادة