رفض #المصالحة_الخليجية ليست من ضمن الخيارات المتاحة
اعتبر الرئيس الأميركي “جيمي كارتر” خطورة الغزو السوفيتي على أفغانستان متمثلة في استحواذ السوفيات على مطلّات مائية تمكنّهم من تهديد الملاحة النفطية التي تعبر من مضيق هرمز، فأعلن رداً على التهديد الملاحي “مبدأ كارتر” ومفاده الآتي: (أي تهديد لحركة الملاحة النفطية الخليجية سيقابله رد عسكري أميركي فوري وحاسم) وقد كان الرد العسكري الأميركي المباشر على قوات السوفيات في وقتها سيعني “حرب عالمية ثالثة”.
بعد “39 عام” يتكرر مشهد “تهديد الملاحة النفطية” بسيناريو مختلف، حيث تضع كل من الصين وروسيا رجلهما في مضيق هرمز بينما كل منهما جالس في عاصمته بكين وموسكو، وذلك نتيجة ربطهما مصالحهما الاستراتيجية بمصالح قوى إقليمية مُطلّة على مضيق هرمز “إيران” ، فوظّفاها ووظّفتهم ومرَّرَ كل منهما أجندته من خلال الآخر، ومع مزيد من التجاذبات، أدخلَ محور “الصين – روسيا – إيران” ورقة “التقنية الإيرانية النووية” في معترك التوازنات الإقليمية حتى أصبحت تقنيتها واقعاً مُنجزاً وتهديداً استراتيجياً مُلِحّاً يطرق أبواب الإقليم ويلوّح بفرض أجندته على صادرات الطاقة الإقليمية.
كيف يمكن أن يكون الواقع الإيراني النووي تهديداً على “أمن الطاقة” العالمي؟
أولاً: من خلال متابعة حادثة “تشرنوبيل” في عام 1986 م بإمكاننا تصوّر سيناريو شبيه له في المنطقة، وذلك لأن “كارثة تشرنوبيل” الأوكرانية سببها الرئيسي كان “قلة الخبرة” وعدم احترافية الإنشاء الهيكلي للمفاعل النووي، وهما عنصران يمكن لمسهما في الحالة الإيرانية والتي لو تكررت لا سمح الله سينتج عنها بالضرورة اضطراب كبير في إمدادات الطاقة الإيرانية والعراقية والخليجية.
ثانياً: إدخال ايران منشآتها النووية إلى “حالة التشغيل” مع امتلاكها لليورانيوم المخصب ومعدن البلوتونيوم سيعطي إيران حصانة نووية تجعل من ضرب أراضيها المتشاطئة لمعابر استراتيجية “هرمز” والقريبة لثلثي منابع طاقة العالم أمراً شبه مستحيل، عندها ستتجرأ إيران لضرب خطوط إمداد الطاقة وتنجح بحبس 25 % من صادرات النفط الخليجية والعراقية عن السوق العالمية وفقاً لأعلى تقدير، في الوقت الذي سيكون ممتنع به على قوات التحالف الرد عسكرياً لتجنب كارثة نووية.
حالة “توازن الرعب” التي ستفرضها إيران نووياً لا يمكن أن تصل إليها قبل مايو/ 2020 م وفقاً لأسرع التقديرات الفنية والاستخباراتية، وذلك يعني أن قوات التحالف تمتلك حتى مايو/ 2020 م لتدمير أو تفكيك منشآت وقدرات إيران النووية (في حال لم ترضخ إيران لاتفاق نووي جديد قبل التحرك العسكري).
سؤال استراتيجي: لماذا تحرص الولايات المتحدة على تأمين منابع ومعابر الطاقة في منطقة الخليج العربي وهي لا تستورد برميل واحد من صادرات الخليج النفطية؟؟
– لأن انخفاض ما سيتدفق من منطقة الخليج إلى السوق العالمية سيسبب اختلال في معادلة “العرض والطلب” وسينتج عن هذا الاختلال ارتفاع غير مسبوق في أسعار الطاقة في الوقت الذي تنتج فيه روسيا “11 مليون” برميل نفط يومياً بسعر برميل قد يتجاوز وقتها (200 دولار) وهو ما سينعش روسيا اقتصادياً ويمكنها من ملاءة مالية غير مسبوقة منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، بالتالي سيؤهلها للحصول على موارد وإمكانات تسمح لها بممارسة دور دولي أكبر وهو الأمر الغير مقبول استراتيجياً بالنسبة للإدارة الأميركية
ما علاقة ما سبق ذكره بضرورة نفاذ المصالحة الخليجية؟؟
– لأن منابع الطاقة تضخ من أراضينا، ولأن أقرب حد إيراني إلى أقرب حد خليجي يبعد “40 ميل بحري فقط”، ولأن الصراع يدور حول تدفق الطاقة فإنه من الضروري أميركياً من الدرجة الأولى وخليجياً من الدرجة الثانية أن يضمن الجميع أمن وسلامة منابع ومعابر الطاقة واستقرار تدفقها للسوق العالمية والتي سيكون بالمقابل هدف رد الفعل الإيراني العسكري هو الإضرار بها، لذلك من الضروري استراتيجياً أن يتم دمج وتكاتف جميع القدرات الخليجية الدفاعية والأمنية واللوجستية وإيصالها إلى الحد الأعلى من الكفاءة الردعية واللوجستية والأمنية قبل إنزال ضربات التحالف الدولي الضرورية على البنية التحتية النووية الايرانية، لنتمكن من استيعاب وتحييد خطورة رد الفعل الإيراني ونضمن عدم تأثيره على استقرار تدفق الطاقة إلى السوق العالمي.
جدير بالذكر أن دمج الإمكانات والموارد ورفع كفاءتها لا يمكن أن يتم فنياً مع استمرار آثار “الازمة الخليجية” لذلك من غير المبرر استراتيجياً في دوائر القرار الخليجي من ناحية ودوائر القرار الأميركي من ناحية اخرى أن تكون الأزمة الخليجية قائمة في الوقت الذي يستقبل فيه الخليج “رد فعل إيراني عسكري يستهدف البنية التحتية لمنابع الطاقة لدينا”.
في ختام المقال.. اقترح على الأمانة العامة لمجلس التعاون إعداد مشروع بشكل مستعجل (إنشاء شبكة خطوط إمداد نفطية خليجية تخرج من الكويت وقطر والإمارات والسعودية وصولاً إلى موانئ عمان) في جنوب شرق الخليج العربي لتكون هي نقطة تصدير الشحنات النفطية للسوق العالمية، وذلك لميزة موانئها الجيوسياسية التي تمكّن الناقلات التي تنطلق منها إلى الوصول للمحيط الهندي مباشرة دون العبور من مضيق هرمز أو مضيق باب المندب مما يجنبنا بدوره جزء كبير من مجالات التهديد الإيراني على حركة الملاحة.
••
عبدالله خالد الغانم – كاتب في صحيفة الإرادة
Twitter: @akalghanim11