المصالحة الخليجية
سأتكلّم كما لم أتكلّم من قبل، وسأقرع الطّبل كما لم أقرع الطبل من قبل وسأقطع الحبل كما لم أقطع الحبل من قبل، وسأقول جهراً ما يقوله البعض سرّاً.
قد تتقلب الحياة بالناس بين الشدة والرخاء، ومن السراء إلى الضراء. فما دور المؤمن في تلك التقلبات؟ فتلك طبيعة الحياة التي يعيشها البشر.. لا تدوم على حال، ولا تستقر على منوال، فإن أحسنت يوماً أساءت أياماً، وإن أضحكتك في زمن فقد تبكيك في زمن آخر..
هي الدنيا تقول بملء فيها *** حذار حذار من بطشي وفتكي
فلا يغرركم مني ابتســــامٍ *** فـقولي مضحـك والفـعل مبكي
والقرآن الكريم نبهنا إلى تقلبات الزمن وتحولات الأيام في قوله تعالى: (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) (آل عمران)، ولكن حين تتقلب الأيامُ والأعوامُ بعباد الله فعليهم أن ينتبهوا فوراً إلى أنهم في اختبار مع الله وهذا ما يُقرره القرآن الكريم في قول الحقّ سبحانه: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة)، فالأزمات التي تواجه المجتمعات هي اختبار إلهي تتكشف فيه مستويات الإيمان وليس من الإيمان في أوقات الشدة أن يتخاذلَ الناسُ عن التعاون فيما بينهم، وأن يسهم كلُّ فرد في رفع الحرج ودفع الشدة عن إخوانه من أبناء المجتمع المسلم، فتلك دعوةُ الحقِّ التي جعلها القرآن الكريم شعارَ المسلمين فيما بينهم، فمن الخير أن نتعاون وأن يكون التعاون على البرِّ والتقوى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة)، وليس من الخير في مواقف الشدة والأزمة التي تبتلى بها المجتمعات أن يقف المسلم سلبياً لا يحرك ساكناً وهو يرى الناس من حوله تطحنُهم الأزمات طحناً، وتعصف بهم الشدائد من كلِّ جانب. فليس هذا من طبيعة المجتمع المسلم ولا من خلقه، وإلا فأين الأسخياء؟ وأين المنفقون؟ وأين ذوو الفضل؟ بل أين المتقون؟ (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) (آل عمران).
فهل خلا مجتمعنا المعاصر من التضامن والتعاون فصار كلّ همنا في مواجهة الأزمات أن نتشاكى ونتباكى فالغني يشكو والفقير يتباكى ويتوجع فلا تجد أكثر الأغنياء شاكراً (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)، ولا معظم الفقراء صابراً، وهذا سلوك ينبئ بإيمان هزيل، فمن طبيعة المؤمن في السراء والضراء أنّه شاكر أو صابر فأمره في الحالتين خير له وهذا ينطبق على الأمم.
فمن عفا وأصلح فجزاه الله خيراً، العفو طيب، إذا عفو جزاهم الله خيرًا، الله يقول: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى، ويقول: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ، فالمصالحة الخليجية التي قادها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز – يحفظه الله – لامسَت قلوبَ ومشاعر الأمة الخليجية والعربية وادخلت الفرحه وجاءت بلْسماً أدخل البسمةَ على النفوس، والطمأنينةَ إلى القلوب، وهذا هو عهْدنا بقائدٍ كان ولا يزال الخيرُ نهجَه ومصلحة الوطن والمواطن والأمتين الخليجية والعربيه طريقَه، وارتفاع شأن المملكة همَّه وشغلَه الشاغل.
حل الأزمة وانهاؤها شيء إيجابي جداً، وطبيعي من حيث المبدأ، فهو الأصل وغيره الاستثناء، خاصة بالنظر للمصالح المشتركة الكبيرة التي تجمع قطر مع باقي دول الخليج والدول العربية.
إن مصلحة الإقليم بانتهاء الأزمة الخليجية، والبدء بترسيخ أجواء تعاون وتضامن عربي.
فشكراً خادم الحرمين الشريفين على هذا الموقف النبيل بتكاتف الأيدي والحب الأخوي والحكمة والعفو، وشكراً للكويت على جهودها طوال هذه الأزمة بالوساطة وتقريب البعيد.
أخيراً أهلاً بدولة قطر حكومةً وشعباً، أنتم إخواننا مهما فرقتنا الأسباب.
••
سامي بن أورنس الشعلان – كاتب في صحيفة الإرادة
Twitter: @soalshalan
Email: sshalan@alerada.net