قلم الإرادة

من الحرب إلى الحب

   ارتكب فيها أحد أعظم وأسوء المجازر على الأراضي الأوربية منذ الحرب العالمية الثانية، مشاهد تدمي العين، ويتقطع القلب ألماً، قصص مروعة،  إبادة عرقية، سفك وتهجير وقتل، مجزرة قتلت فيها الإنسانية قبل أن يقتل فيها المسلمين، مذابح لا تزال تدمي القلوب حتى بعد ما يقارب ربع قرن على حدوثها وجرحها لم يندمل بعد، تصادف هذه الأيام إحياء ذكرى مجزرة سربرنتسا في جمهورية البوسنة والهرسك التي حدثت عام 1995 فما زال شهر يوليو يحمل الذكرى الأليمة التي ستبقى عالقة في أذهان المسلمين، بما حوته من تفاصيل وتخاذل وتواطئ المجتمع الدولي في قتل الأبرياء بسبب الخلاف العقائدي، حرب البوسنة في التسعينات شردت وهجرت وقتلت عشرات الآلاف.

ووضعت الحرب أوزارها بعد الصراع المسلح الذي استمر بين 1992-1995 وتوقيع اتفاقية الإطار العام للسلام في البوسنة والهرسك والمعروفة باسم اتفاقية دايتون للسلام، التي دارت في قاعدة رايت بيترسن الجوية قرب مدينة دايتون الأميركية في نوفمبر 1995.

وضعت الحرب أوزارها ومرت السنوات وبدأت الحياة والحركة تدب في البوسنة / وأخذت منحى آخر وهو السياحة واكتشاف هذا البلد، وسنحت الفرصة لي لزيارة البوسنه للمرة الأولى قبل خمس سنوات، كم كنت متشوق للزيارة خاصة بعد ما شاهدنا من صور مؤلمة عن الحرب ولم كنت أتوقع بأن سيأتي هذا اليوم للزيارة، ومع اقتراب الطائرة للنزول في مطار سراييفو وكان ذلك في موسم الربيع تشاهد من الأعلى كمية الجمال التي وهبها الله لهذه الأرض غابات وأنهار عذبة تشق الأرض وتلاحظ البيوت المغطاة بالقرميد الأحمر، النزول بالمطار الصغير بإجراءات سهلة وميسرة والجواز الكويتي معفي من تأشيرة الدخول (الفيزا)، وبدأت الجولة في السوق القديم سوق (باشارشيا) بجانبيه العثماني والمجري – النمساوي  الحقبات التي تعاقبت فأعطت فسيفساء لهذا المكان الجميل وتشاهد الترحاب بالضيوف وخاصة ذلك الوقت في بدايات السياحة وكانوا يبادرون ويعرفون ويسألون هل أنتم من الكويت، لما كان موقف الكويت المشرف إبان حرب البوسنة، تمشي وتتجول في العاصمة وتشاهد بعض آثار الحرب باقية، ترتشف القهوة البوسنية وتأكل الكباب البوسني وتسير نحو الجسر اللاتيني التي انطلقت منه شرارة الحرب العالمية الأولى، سراييفو التي تسمى قدس أوربا لاحتضانها الأديان السماوية الثلاث.

ثاني يوم من الوصول حرصت كل الحرص لزيارة سربرنتسا المدينة الصغيرة الجبلية وكانت أجواء باردة والتوجه إلى المقبرة والتجول فيها وتقرأ على شواهد القبور أسماء المسلمين الذي قتلوا ودفنوا في هذا المكان، تشعر بقشعريرة المكان صمت القبور وقلة من الأشخاص من يزور المكان وبعض من رجال الأمن، وبعد هذه الزيارة بدأنا باكتشاف البوسنة في كل مكان تحكي حكاية من الجمال والخيال سراييفو بتاريخها، موستار بجمالها، بيهاتش وسحرها، يايتسا ورونقها، بروكشكو بجمال طلتها، وغيرها من من مناطقها المتسعة، البوسنة الطبيعة الساحرة والجبال الشاهقة والمناظر الخلابة، بلد تنتشر المعالم الإسلامية العثمانية من مساجد ومدارس، البوسنة أرض الطبيعة والهدوء والأمن والأمان ويتم تشبيه خريطتها بالقلب كأنها تتحدث لترحب بزوارها، منذ الزيارة الأولى للبوسنة إلى هذا اليوم زرتها العديد من المرات، اقتبس عبارة الصحفي الشهير أسعد طه: “يحكى أن في عشق المدن مدينة اسمها سراييفو”.

••

عبد العزيز الدويسان – كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية

Twitter: @aziz_alduwaisan