قلم الإرادة

لا “عنوسة” بل “عزوف”

أُلاحظ منذ فترة تخبّطًا كبيرًا في تناول ما يُسمّى ظاهرة العنوسة في العالم العربيّ، كثرت المقالات والأحاديث عنها ، وتعالت أصواتٌ تُطالب بإيجاد حلولٍ لها؛ لما لها من أثر سلبيّ “كما يقولون” على المجتمع، ومِن هُنا اسمحوا لي بتناول هذا الأمر مِن زاوية أُخرى تمامًا.
لا يُمكن أنْ نتناول هذه “الظاهرة” بمعزل عن ظاهرة أُخرى أكثر انتشارًا وسلبيّةً على المجتمع، وهي ظاهرة الطلاق المُعلن والطلاق المُستتر، وما ينتج عن هذه الظواهر مِن تشتّت الأطفال وانعدام البيئة الصحّيّة للتربية والنموّ، وأثر ذلك على المجتمع ككلّ، ووضع كلّ هذه الظواهر معًا في مسمّى واحد، لنطلق عليه “أزمة الزواج”.
لنكُن مُنفتحين ونتقبّل نقدَ أُسس الزواج في عالمنا العربيّ وطريقته، من طريقة اختيار الشريك التي نادرًا ما تبتعد عن السطح وتتجاوز جمال وجه المرأة وجسدها وجمال جيب الرجل وامتلائه، مرورًا بالترتيبات التي يطغى عليها الطابع المادّيّ تمامًا، ثمّ تحضيرات يوم الزفاف التي تستنزف فترة الخطوبة كاملةً، وهي الفترة التي كان من الواجب استغلالها للتعرُّف العميق على مكنونات الآخر وهواياته وأحلامه وأفكاره عن المستقبل والحياة، بدلًا من إضاعتها في الأسواق والتركيز على ليلة واحدة ستنسى بعد فترة وكأنّها لم تكن، ليبقى الشريكان وجهًا لوجه في مواجهة أمواج الحياة العاتية وصعوباتها، فتظهر الاختلافات جليّة، ويُساهم في تراكمها انعدام الانسجام والتوافق، الذي غالبًا ما يزيد معَ الإنجاب واختلاف الآراء في التربية والتعامل معَ الطفل، لتنتهي العلاقة إمّا بالفتور والاستمرار في زواج فاشل وإن استمرّ، أو بالطلاق وتشرّد الأبناء.

 

أصبحْنا في زمن لا يكاد بيت يخلو مِن تجربة زواج قاسية لأحد أفراده، وما يترتّب عليها من بعثرة أُسر وتشريد أطفال وأذًى نفسي ومادّيّ ومعنويّ، وهنا أصبح كلّ مُقبل ومُقبلة على هذا القرار المِفصليّ أكثر حذرًا، ولم يعُد الزواج مطمعَ المرأة الأوّل كما كان عليه في السابق، وأصبحتْ تُفضِّل العمل وتطوير الذات على الدخول في علاقة مضطربة مستنزفة فيها مشاعرها وأيّام عمرها.

 

التعامل معَ ظاهرة عزوف الفتيات والشباب عن الزواج يبدو مُضحكًا في كثير من الأحيان، ودخول عدم المُختصّين بعلم النفس وعلم الاجتماع لمناقشة هذا الأمر أصبح مدعاةً للسخرية، فهم يتعاملون معَ الزواج مِن منطق الإحصاء، ويتوقّعون أنّه إذا تواجد عشرة رجال في طريق عشر نساء فإنّ نسبة الزواج ستكون مئة بالمئة، والواقع أنّ المرأة قد لا تجد الزوج المناسب من مئة رجل، والرجل قد لا يجد شريكة عُمره في ألف امرأة أمامه، الموضوع أبعد ما يكون عن الإحصاء أيّها السادة، هي مشاعر وأحاسيس وانسجام وحُبّ، ربّما من الصعب أنْ يفهمها ما لم يشعر بها، إذا أردت فعلًا أنْ تجد حلولًا لها فابحث في عُمق المشكلة وعالِج الخلل المجتمعيّ بالتوعية لأسس اختيار الشريك ومعنى الشراكة وتأخير الإنجاب؛ حتّى يتمّ التأكّد مِن سلامة الزواج وصحّته، ونبذ المظاهر الخدّاعة والتركيز على الجوهر، وحلّ مشاكل البطالة، وتدخّل الأهل… الحلّ يا سادة بالتوعية المجتمعيّة الكاملة والإصلاح الإجتماعي لا بالإحصاء.

 

**

 

أمل الحارثي – كاتبة في صحيفة الإرادة الإلكترونية

 

Twitter: ‪@arabwomanmag ‬

مقالات ذات صلة