قلم الإرادة

يا زمان العجايب وش بعد ما ظهر؟

العين الثالثة

إنه زمن العجائب لا محالة، زمن غريبٌ عجيبٌ، تبدلت فيه المفاهيم وانهارت القيم، وعمّت مظاهر الجنون وغياب المنطق. أصبح القابض على ما بقي من مدارك عقله كالقابض على جمرة، ما الذي يحدُث في رؤوس البشر؟ كيف تغيّر بعضهم إلى هذا الحد الجذري غير القابل للتبرير.

قال الشاعر الأمير خالد الفيصل:

يا زمان العجايب وش بعد ما ظهر؟
.. كل ما قلت هانت جد علمٍ جديد

قناع جديد يسقط، ليكشف الوجه الحقيقي للولايات المتحدة الأميركية، التي طالما نصّبت نفسها مدافعاً عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وأعطت لنفسها الحق في توزيع شهادات حسن السلوك على الدول،‏ والغريب هنا ـ أو الطبيعي حسب خبرتنا ـ أن تحاول الولايات المتحدة صاحبة أكبر سجل في انتهاكات حقوق الإنسان، أن تعطي الدول والشعوب والأمم دروساً في ”حقوق الإنسان” وأن توزع شهادات حسن السلوك على إرهابي ”إسرائيل”، بينما تتهم دولاً وشعوباً وحركات مقاومة تدافع عن أرضها وحريتها بالإرهاب.

فالدولة التي قامت على جماجم السكان الأصليين للقارة الأميركية، والتي كانت الدولة الوحيدة التي تستخدم القنبلة الذرية في هيروشيما وناغازاكي، والتي تقتل الشعوب بشكل مباشر أو بالإنابة من العراق إلى أفغانستان وليبيا ولبنان وفلسطين وسورية، هذه الدولة لا يحق لها مجرد الحديث عن حقوق الإنسان.

للأسف يجري اليوم استغلال ورقة الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم لأغراض الاستغلال الاقتصادي والسياسي والثقافي… وكأداة جديدة للتدخل الخارجي الفظ في الشؤون الداخلية للدول الأخرى… وتوظف الولايات المتحدة بنزعتها الإمبراطورية فكرة حقوق الإنسان في الوطن العربي من أجل خلق الفوضى والتشرذم والتفتيت، خدمة للمصالح الأميركية والغربية المتقاطعة مع مصالح الكيان الإسرائيلي الغاصب. ومن خلال المساعي الرأسمالية الغربية الحثيثة لفرض وترسيم قواعد النموذج الاقتصادي الرأسمالي وتشكيل نظام عالمي جديد من خلال التركيز على خلق بيئة سياسية جديدة تتكيف مع المصالح الاقتصادية والسياسية الأميركية في ظل أزمة اقتصادية خانقة يعيشها الغرب الرأسمالي.‏ وتعمل إدارة الرئيس بايدن من خلال تبنيها خطاباً منمقاً في دفاعها عن حقوق الإنسان ووعود نشر الديمقراطية، على توسيع مناطق حروبها والتي تنتهك فيها حقوق الإنسان وكذلك التطلعات الديمقراطية للشعوب.

العراق،‏ البلد الذي ابُتلي بأميركا وعانى وما يزال من ويلات وجودها العسكري فيه. فالعراق … الجرح العربي الدامي غزته أميركا عام 2003 فهدمت الدولة العراقية وحلّت الجيش وأصبح سجن أبو غريب رمزاً للفضائح التي قام بها الأميركيون والتي شاهدها العالم بأسره، وقد وصف موقع ”وورد سوسياليست” نتائج الغزو الأميركي للعراق بـ ”الإبادة الاجتماعية”، فالتدمير المتعمد لواحد من المجتمعات الأكثر تقدماً في مجال التربية والرعاية الصحية والبنى التحتية في الشرق الأوسط، ورأى الموقع أن ”الدمار الذي لحق بالعراق تتحمل مسؤوليته الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة ويجب أن يقدموا للعدالة”.

فالخسائر التي تعرض لها العراق كانت مذهلة وكذلك الأمر في افغانستان وسورية وكل الدول التي دخلتها أميركا، فأين حقوق الإنسان من هذا؟؟

ينطبق على أميركا المثل العربي القائل ”رمتني بدائها وانسلت” فهي تدعو مجلس حقوق الإنسان مثلاً إلى أخذ زمام المبادرة والتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في أي بلد يعارض سياساتها، وفي الوقت نفسه توبخ هذا المجلس إذا حاول مناقشة جرائم الكيان الإسرائيلي حتى ولو كانت موثقة على أيدي فريق أممي بقيادة قاض دولي هو ”غولدستون”.‏ وهي تجيش الجيوش وتغزو البلدان وترتكب أفظع الجرائم بحق الإنسانية بذريعة تحقيق الحريات ومحاربة الإرهاب ومكافحة ”الديكتاتورية” وفي الوقت ذاته تسهل للمرتزقة وشركاتهم الأمنية كل السبل لانتهاك حقوق الإنسان من العراق إلى أفغانستان مروراً بأفريقيا وغيرها.‏

على سبيل المثال لا الحصر، نشر الرئيس الأميركي الأسبق ”كارتر” مقالاً في صحيفة ” هيرالد تربيون” قال فيه:‏ ”إنَّ بلاده تخلت عن دورها التاريخي في الدفاع عن حقوق الإنسان حول العالم”؛ بل تجاوز ذلك ليقول بملء الفم: ”إن سجل أميركا الحالي مُعيب، وإنها فقدت السلطة المعنوية للتحدث عن حقوق الإنسان وعن صون الحريات الشخصية حتى في الداخل الأميركي”.‏ هذا ويشير ”كارتر” الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2002 إلى سياسة الاغتيال الرسمية التي تبعتها الإدارة الأميركية خارج أراضي الولايات المتحدة، والتي تبيح قتل مواطنين أميركيين، كما يشير إلى قانون جديد تمَّ اعتماده، يمنح الرئيس الأميركي سلطة احتجاز أشخاص، حتى لو كانوا أميركيين، إلى أجل غير مسمى بدعوى الشك في ارتباطهم بمنظمات إرهابية، ودون رقابة من الكونغرس أو من المحاكم الفيدرالية.‏

إضافة إلى ذلك، فإن قوانين أخرى صدرت بعد أن تمّ تمريرها على أثر هجمات أيلول 2001 تخرق الحريات الشخصية للمواطنين وتتيح مراقبة الاتصالات والمراسلات الإلكترونية دون إذن قضائي، من قبل الوكالات الاستخبارية بدعوى حماية الأمن القومي. وفي وقت سابق نشرت ”ديلي ميل” البريطانية، صوراً ووثائق سرية جديدة كشفتها لأول مرة تؤكد أن الولايات المتحدة أجرت في سنوات سابقة تجارب علمية ومخبرية على أميركيين من ذوي الإعاقة، وسجناء معتقلين في سجون أميركية، ومعتقلات أجنبية تشرف عليها سلطاتها، هي دليل واضح على ما ترتكبه من جرائم ضد الإنسانية، وتفضح سياستها المستندة إلى عقلية لا تلتزم أدنى معايير القيم والأخلاق، أين حقوق الإنسان من هذا؟؟

الاهتمام المزيف بحقوق الإنسان من قبل أميركا هدفه الهيمنة والاستحواذ على ثروات الشعوب.‏ أما الدفاع الحقيقي عن حقوق الإنسان فهو مهمة سامية على المجتمعات الإنسانية نشرها وتحقيقها من خلال احترام القانون الدولي ومبادئه ومن خلال التعاون المثمر بين كافة الشعوب.‏

••

سامي بن أورنس الشعلان – كاتب في صحيفة الإرادة

Twitter: @soalshalan

‏Email: sshalan@alerada.net

مقالات ذات صلة