المتحوّر غير المرئي
كـ”سندباد” سافر من مشارق الأرض إلى مغاربها، وكـ”هولاكو” استطاع أن يملأها رعباً رغم أنه لا يرى بالعين المجردة. بسببه أغدقت الدول أموال طائلة محاولة كل منها تحجيمه والحد من انتشاره، ودخلت كبرى شركات الدواء وغيرها في “ماراثون” للفوز بالجائزة الذهبية لمن يجد اللقاح المضاد له. كما أقام موازين ثقافية واجتماعية اختل ميزانها في الآونة الأخيرة، فأدرك العديد من الأفراد من يستحق التقدير الاجتماعي.
إنه المتحور والمتحول “كوفيد-19”، إذ وجد العلماء مؤخراً أن باستطاعته التغير جينياً. فـ “كوفيد-19” الموجود في إيطاليا يختلف جينياً عن ذلك الموجود في الكويت أو إيران أو غيرها من الدول.
إن الأزمة التي خلقها ذلك المتحور غير المرئي، لم تعد أزمة صحية فحسب كما بدأت، بل تغيرت بتحوره لتصبح أزمة اقتصادية ومن ثم سياسية لها كثير من التداعيات في العديد من دول العالم.
في أوروبا، لم يعر الاتحاد الأوروبي في البداية اهتماماً لنداءات الاستغاثة التي أطلقتها إيطاليا، لكن في منتصف شهر مارس تفشت جائحة كوفيد-19 في بقية دول الاتحاد الأوروبي وخاصة الشمالية. بحلول شهر أبريل تقدمت رئيسة المفوضوية الأوروبية فون دير ليين باعتذار، لم يرحب به الساسة الإيطاليون والأسبان، إذ كان يطمحون بما هو “أكثر من مجرد كلام”، فطرحت رئيسة المفوضية خطط لإنقاذ إيطاليا وإسبانيا. لم تكد الدولتان تتعافيان من أزمة ركود عام 2008 حتى فتكت بهما جائحة كوفيد-19، فأصبحتا إلى جانب معانتهما، تتكبدان عبء ألقي على المنظومة الصحية، وشبح الموت الذي أصبح يلاحق الكثيرين.
للخروج من الأزمة الاقتصادية طرح عدد من خبراء الاقتصاد الأوروبين فكرة تبادل الديون والتي نتج عنها في النهاية ما يسمى ب “كورونا بوندز“، أداة جديدة تجمع بين الأوراق المالية من عدد من الدول الأوروبية. تتطلع كل من إيطاليا وإسبانيا إلى “كورونا بوندز” كمنقذ لهما في هذه الأزمة المستعرة. فيما أبدت عدد من دول الاتحادالأوروبي موافقها على سندات كورونا، اعترضت كل من ألمانيا وهولندا والنمسا على تلك الآلية. وأوعزتا سبب اعتراضهما أن دول جنوب أوروبا ذات اقتصاد ضعيف مثقل بالديون سلفا، مما يجعلها عرضة لخطر عدم سداد الديون.
من جهة أخرى، ثمة خيار آخر لإنقاذ الدول المنهكة اقتصاديا في ظل الأزمة الراهنة يتمثل في استخدام آلية الاستقرار الأوروبية، وهي صندوق إنقاذ منطقة اليورو، الذي يحوز على 410 مليار يورو.
أيا كان مركب الإنقاذ الذي ستبحر به دول الاتحاد الأوروبي لتمضي إلى بر الأمان، فإن هذه الدول قد وقعت في شرك حقيقي نصبه المتحور غير المرئي. فهل يتمكن الاتحاد الأوروبي الخروج منه كتلة واحدة، أم أنه سيخرج على شكل أجزاء مفككة، كل على حدة؟