كورونا ينسف التوقعات والتحالفات!
انشغلت مراكز البحوث العالمية بإعداد الدراسات الاستراتيجية كل مركز في تخصصه سواء سياسي أو اقتصادي أو غيرها من الدراسات التي تعتمد على قواعد أكاديمية وعلمية، فيأتي فيروس كورونا لينسفها نسفاً ويقلب التوقعات ويفكك التحالفات، ليعكس لنا حقيقة النظام العالمي المتهالك، فخلال القرن العشرين وضعت الظروف أمام دول العالم خيارين لا ثالث لهما (الاشتراكية والرأس المالية).
الاشتراكية تم تدميرها بقوة الإعلام وتسليطه على (الحرية وحفظ الحقوق)، فانطفأت نار الاشتراكية ولم يبقى لها سوى الرماد الذي تراكم في كوريا الشمالية، حتى أن أقوى الدول الاشتراكية (روسيا والصين) نزعت لباس هذا الفكر وتركته خلفها لكي تستطيع التأقلم مع العالم الخارجي الرافض لهذا الفكر وتشعباته ويصنع القيود أمام أي تحالفات مستقبلية تضر بمصالح هذه الدول.
و بعد تفتيت الاشتراكية أصبح العالم تبعاً للنظام (الرأس مالي) وكان يرتدي لباساً أغرى الدول والمجتمعات به وهو ثوب (الحرية وحفظ الحقوق بجميع أشكالها) ومع مرور السنوات بانت أنياب الرأس مالية الشرسة وزادت شراستها خلال الأزمات والحروب فاتضح للجميع ألا قيمة للإنسان في هذا النظام وحتى ولو حاول بقوة إعلامه واقتصاده أن يرسم لوحة جميلة يصور بها نفسه أنه المنقذ للبشرية.
النظام العالمي بكل جوانبه بعد كورونا لن يكون كما هو قبله حتى لو استمر فترة بسيطة على هذه الصورة، فالتغييرات لا تحصل بيوم وليلة ولكن سوف يحدث التغيّر بعد دراسة هذه التطورات التي اجتاحت العالم بأسره وأوقفت الاقتصاد وكل جوانب الحياة اليومية المعتادة، وانطلاق رأينا بتغيّر النظام العالمي ليس أزمة كورونا بحد ذاتها ولكن أسلوب التعامل معها وأنها جعلت الدول تفتح عينيها على حقيقة هذا النظام، فالأزمات حدثت عبر التاريخ والقليل منها كان له تأثير كبير في تغيير النظام العالمي وقتها.
ونحن لا نقّر ولا ننفي (نظرية المؤامرة) حتى لا نصبح متحيّزين تجاه النظرية سواء بالإقرار أو الرفض، ولكن ما نراه أن التغيير قادم سواء بمؤامرة أو يكون هذا التغيير نتيجة طبيعية لتدهور النظام العالمي.
هناك جانب مهم أهمله الكثير ألا وهو الإنسان وقيمته كإنسان، وليس قيمته كمواطن أو دافع ضرائب أو قدرته المادية على مقاومة هذا الفيروس وآثاره الاقتصادية والنفسية والاجتماعية وغيرها من الجوانب التي لم تراعى وكشفت لنا حقيقة غابت عنّا منذ استفراد النظام الرأس مالي بهذا الكوكب الذي كان جميلاً.
وفي هذا الظلام الذي اجتاح عالمنا رأينا بصيص ضوء لاح لقيمة الإنسان في دولنا الخليجية لتضرب دولنا أروع الأمثلة في التعامل الإنساني المسؤول تجاه البشرية وأخص بها كويتنا الحبيبة التي تعاملت بنهج واحد مع المواطن والمقيم و الزائر كما هو حال جميع الدول الخليجية.
نشكر الحكومة على مواقفها البطولية السبّاقة واتخاذها القرارات الجريئة التي تصب في مصلحة الجميع والتي شملت الجميع سواء كان كويتي أو مقيم أو زائر وهي تبذل التدابير الممكنة لإرجاع المواطنين في الخارج وتوفير الأماكن المناسبة للحجر الصحي لهم وتعتبر حكومة الكويت الأن هي الأفضل باتخاذ الإجراءات الاحتياطية لعدم انتشار فيروس كورونا ونتمنى الاستمرار بهذا النهج الذي يدعمه الجميع ويدل على الوعي العالي لدى المواطن والمقيم.
إن ما يشهده العالم اليوم من تغييرات عميقة ومتسارعة وتحديات متعددة الأبعاد يجعلنا نفكر وبجدية ونتحمل مسؤوليتنا التاريخية بأن نبدأ باصلاحات حقيقية لكل ما يخص الاعتماد الكامل لتوفير الاحتياجات الأولية والطبية المصنعه محلياً وأن تباشر الدولة إنشاء عدة مصانع تدار من قبل كوادر كويتية وطنية متخصصة تؤمّن للدولة جميع احتياجاتها الطبية والغذائية وكل ما يضمن سرعة توفرها في الأزمات والكوارث الطبيعية، فقد أثبت الشاب الكويتي أنه على قدر من المسؤولية ويستحق بكل فخر أن يكون في الصفوف الأمامية في جميع الأزمات التي عصفت في البلاد من حروب وكوارث طبيعية، فإنشاء مصانع ومراكز بحوث علمية وغيرها واحتضان المبدعين والمخترعين وأصحاب الخبرات في كل المجالات أصبح واجب وأمن قومي يجب أن يرى النور وأن يعطى من الاهتمام والدعم المالي ما يستحقه فإن الكويت تستحق الأفضل وشبابها يريد الأفضل.
••
سند الصلال – كاتب في صحيفة الإرادة
Twitter: @88_sanad