قلم الإرادة

انهزامية الوعي وبقاء الخرافة

   تكمن أحد مسببات الصراع في اليمن، إلى انعدامية الدور المجتمعي والشعبي وضعف الالتزام بقواعد تشكيل خريطة طويلة الامد لافشال مخطط تدمير واقع الدولة، ومواجهة مخاطر تتجاوز ثوابت وقيم الواقع المؤسسي والمدني في اليمن، ما بعد ثورة سبتمبر 62 وحركة التصحيح في 74 وكذلك الظروف المدنية، التي وضعتها الوحدة اليمنية في الثلاثة العقود التي مضت.

   خلال مرحلة سنوات الحرب مابعد 2014 التي هددت وغيبت الدولة، تحت راكمية الطموح المتفلت لقوى غير مرتبطة، بقواعد حقيقية سياسياً وأخلاقياً ووطنياً وعدم احترامها لمكتسبات اليمنيين، وهذا أدى لفقدان الكثير من اليمنيين للشعور بالآمن، وانحدرت الأوضاع إلى وضع غير قابل للسلام والتعايش من جديد.

   اليمنيون في خضم هذه الاستحالة الدامية صاروا عاجزين في  مواجهة مخاطر التعقيدات التي برزت، مع  ظهور مايسمى بفكرة تحويل الدولة ” لولاية سياسية” تخضع لمقياس من اختاره الله حسب زعمهم، وهذا ما عطل دور العقل وأصبح من يمارس الخطيئة السياسية الكبرى، مرسل من خرافية التمديد السلطوي والوارث الزماني على اليمنيين، ولا دور لأحد في إيقاف كل مهازله السياسية ووسائله التي قادت إلى كل هذه الجحيم.

   وحده الشعب اليمني الذي لا بحمل فكرة حماية واقعه الطبيعي والقانوني، أدى تقاعسه إلى تفكك كيان الدولة وتراجع حلم اليمنين وانهيار مستوى حياتهم اليومية، وعندما ظل الكثير من الذين خاضعوا طموح السلطة والذين كانوا يفتقرون لمستوى حماية دولتهم ومشروعهم الحقيقي، فإن ذلك أنعكس مباشرة على اليمن وعمق أزمتها الداخلية والخارجية.

   ما بعد خروج اليمنيين في 2011 فإن الوضع زاد سوءاً، وكانت المعركة بين كافة الأطراف السياسية محددة في كيفية تملك السلطة والحصول على الثروة ،لكن في المقابل كان هناك نوع من عدم التقدير لما سيكون عليه الوضع فيما بعد، وعاد اليمنيين كمجتمع تقليدي لينصهر في بيئة إنتاج التسلط، وبلورة ذلك الاستبداد تحت قناع تقوده جماعة كجماعة الحوثي التي حولت كل شيء للمجهول.

   في غضون سنوات عادت اليمن وخاصة المناطق الخاضعة لسلطة الحوثيين لتعاني من الفوضى والعبث وغياب عمل المؤسسات، فالأغلبية مؤطرة في هذه المناطق وفق سياق تمجيد أسباب كل هذه الفوضى، ومحتم عليهم أيضاً أن يفكروا بذات طريقة المتخلفين الجدد، حتى أن هناك من يمجد أدوات الموت رغم توحش العنصر الحاكم العائلي المقدس، وانحطاط أساليبهم التي عمقت الخلاف والصراع، وهوت باليمنيين في قعر الفوضى والصراع والتخلف والجوع.

   تطبيق فرضية الإذلال، للثقافة اليمنية وثوابتها الحميرية وعقيدتها السبئية ستفشل، كما أن تحويل الإسلام لنوع من الخريطة العائلية، هو سلوك للتحريف الجديد، والذي يتنافى مع واقعية الإسلام وهذا ما برز مع قدوم أول من أسس طبيعة الحكم القمعي والأسري في اليمن وفق التركيبة العقائدية، والذي أدخل العنف وأرسى دعائم السطو على السلطة، وأدخل المذهب الزيدي كمذهب لا يرتبط بظروف دينية بحتة بقدر ما كان ضرورة محددة ذات خطورة واسعة، فيما بعد خلال سنوات التوسع والحرب في محاولة لمحو قيم اليمنيين فيما بعد.

    مقومات المذهب الزيدي كمذهب سلطوي، يرتبط ربما مع تغيب واضح لدور اليمنيين، وهو ما أسس لواقع الاختلاف الذي كان طارئ وطفيلي، وليس ذات ارتباط متعمق في وجدان اليمنيين الوطني والحضاري والأخلاقي، وهذا فرض النظرة الفوقية المتعالية والمتسلطة وتسبب بتكريس التعبئة الخاطئة وتمزيق البنية اليمنية الاجتماعية والسياسية.

    لكن الظاهرة السياسية التي جرفت اليمن والعراق ولبنان أخيراً، ثم ظاهرة الولاية التي تمثل اللعبة القائمة على سخافة الارتباط العنيف، الذي يحدث في اليمن والذي تبنته جماعة قادت لأسوأ انقلاب وعودة الجهل بعد ذلك ليعزز حضوره ومكانته.

   والأخطر فيما حصل من نتائج هو ارتباط سقوط الدولة، التي أتت بعد  26 سبتمبر 1962م بمخطط جديد يناقضها ويقوم على حتمية إلغاء ثقافة وحضارة اليمنيين، ضمن قاعدة ترسيخ فكرة أن اليمن حق مستتب لبعض من الذين فرضوا دولتهم، دون دولة اليمنيين مع أن ثورة سبتمبر الحقيقية ارتبطت بالعدالة وإزالة الفوارق والامتيازات، التي عادت مع حبس الحوثيين لليمنيين في قمقام الولاية.

   حال الاستبداد والاستعلائية التي تحددت بمغالطة، تسمية الأشياء بتفسيرات تصنع القديس، الذي لا يحمل الطاهرة ومع عبث الظروف التي أتت وفق غاية الحرب وبروز الكهنوتية الجديدة، فإن اليمن ليست قابلة لتبدأ من حيث تشكل العقل المتخلف، والذي أسقط كل شيء ليهيمن، ويخضع الآخرين له بكل أدوات القمع والغطرسة.

    من أتى لليمن غريباً وفق معادلة الإرث، سيكون واقع السقوط الكبير له مسألة وقت، وذلك مع زيادة كراهية اليمنيين، لطريقة حكم من يعتقدون أنهم خلقوا من الأصطفى، بينما غيرهم خلق لينفذ أجندتهم وتسلطهم، فالحوثيين غير قابلين للاعتراف بالمساواة ويرغبون في إعادة منظومة حكمهم تحت طغيان شراهتهم للحكم.

من سيحدد مصيره في النهاية هم اليمنيون، وهم مقبلون على تحديد هذا المصير الجديد، وذلك من خلال إعادة مضامين واقع ثورة سبتمبر الأم، التي أنهت عقود من حكم الهيمنة الأسرية والتي أغلقت اليمن أمام التنمية، ومنعت التطور ونشرت الخرافة خلال فترة الحكم الذي استمر حتى 1962.

    تظل اليمن أمام واقع تشكله المتغيرات والتجارب، التي تمخضت عنها المعركة الأخيرة، وظروفها وأبعادها واليمن لن تكون ضمن أملاك الناهبون والقتلة، أو من يحاصرون تعز ويقطعون الطرقات عليها، كونهم من نسب رسول الله لكن المؤشرات تدل أن مرحلة صعبة بدأت، ولن تنتهي إلا بالقضاء على أسوأ منظومة سياسية وعائلية متخلفة، ارتبطت بعنصرية مقيتة أدت باليمن نحو هذه الحرب والمجاعة والدمار.

••

عبد الرب الفتاحي – كاتب في صحيفة الإرادة

مقالات ذات صلة