اقتصاد

الأسواق.. و”مرض” الأزمات

بعد أسبوع من التراجع في أسواق المنطقة وضعف التعامل والهبوط المتذبذب في أسواق العالم، عادت الأسواق إلى منحى التحرك العادي تقريبا نتيجة عدم حدوث ضربة أميركية لسوريا.

وكان الضغط من أجل الضربة أدى إلى هبوط مؤشرات أسواق المال ـ خاصة في الخليج ـ وارتفاع أسعار السلع خاصة المعادن، وفي مقدمتها الذهب وكذلك النفط وفي المقابل تراجع سعر صرف الدولار وعملات الاقتصادات الصاعدة.

وغالبا ما نسمع أن المستثمرين وأصحاب الأموال يتصرفون بحساسية شديدة للأخبار والتطورات السياسية، دون تفسير لذلك.

بالدرجة الأولى، هناك سبب نفسي طبيعي، فوجود توترات وأزمات تؤثر على علاقات الدول، كما أن الأوضاع الداخلية لبلد ما هام تجعل الناس تتردد في إنجاز الأعمال عامة بانتظار النتائج.

والمستثمرون في النهاية بشر يتصرفون مثل بقية الناس تجاه الأحداث.

المخاطر.. تختلف

صحيح أن في التجارة والاستثمار مغامرة ـ تصل أحيانا إلى المخاطرة ـ وبالتالي يسعى البعض للاستفادة من أي توتر أو حتى حرب لتضخيم حجم الأرباح الاستثمارية والتجارية.

إلا أن تلك “المخاطر المغالى فيها” تختلف عن “المخاطر المحسوبة” للمستثمرين في أسواق المال والسلع والعملات، إذ تزداد عوامل المخاطرة وتصبح أقل تكهنا وأكثر وطأة في حالات التوتر.

على سبيل المثال، فإن اندلاع قتال بين قبائل والحكومة في نيجيريا، وهي بلد إفريقي مصدر للنفط، سيؤدي بسرعة إلى ارتفاع أسعار النفط في أسواق سنغافورة ولندن ونيويورك. ولأن النفط مسعر عالميا بالدولار، وهناك علاقة عكسية بين سعر الاثنين يتراجع سعر صرف الدولار في السوق.

وإذا استمر العنف، فستكون هناك خشية على تأثر امدادات النفط من نيجيريا، فتزيد حساسية المستثمرين لاحتمال تأثر الاقتصادات الرئيسية التي تعتمد على النفط كمحرك لانتاجها الاقتصادي. ويبدأ هؤلاء في بيع أسهم الشركات وسندات دين الحكومات.

ونتيجة قوانين العرض والطلب العادية يؤدي زيادة العرض (نتيجة موجة البيع) مع ثبات الطلب أو تراجعه (قلة الشراء نتيجة زيادة المخاطر) إلى هبوط أسعار الأسهم وزيادة العائد على السندات.

وهكذا تنخفض مؤشرات أسواق المال. ونتيجة انخفاضها، لو استمر لفترة، تتراجع ما تسمى “ثقة المستمرين والأعمال” في اقتصاد البلد الذي تهبط مؤشرات سوق ماله.

سوريا.. نموذج جديد

هنا يبرز التساؤل عن تأثر الأسواق بالتوتر في سوريا رغم أنها ليست مصدرا كبيرا للنفط أو الغاز، وتعاملاتها مع الخارج ضئيلة واقتصادها شبه مغلق تقريبا، وليس متشابكا مع السوق العالمي.

على مدى أكثر من عامين قتل فيها أكثر من مئة ألف سوري وشرد مئات الآلاف، لم تتأثر الأسواق كثيرا. فكل ذلك لم يكن بشكل تهديدا لأي اقتصاد مؤثر في المنطقة أو العالم.

أما مع الحديث عن ضربة عسكرية، فقد اهتزت الأسواق لما يعنيه ذلك من تأثير على اقتصادات الدول المشاركة في الضربة، واحتمال أن تؤدي إلى حرب ليست خاطفة تتطلب كثيرا من الموارد بما يؤثر على اقتصاد أميركا وحلفائها.

ويساهم موقع سوريا الجغرافي في زيادة التوتر، فهي قريبة من بلاد الخليج، المصدر الرئيسي للطاقة لبقية العالم، ومن شأن أي نار في المنطقة أن تخيف المستثمرين ورجال الأعمال من احتمال أن تطال مكون أساسي من مكونات الاقتصاد العالمي (الطاقة).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى