وهلّ رمضان

وهلّ رمضان.. شهر الخير والبركات، الشهر الذي اعتدنا فيهِ قديماً على البساطة في العادات والأُلفة فيما بيننا، الشهر الذي نستقبله بالفوانيس الرمضانية المبهجة والمباركات العفوية الصادقة، والكثير الكثير من الأمنيات الحارّة بأنْ يتقبّل الله صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا.
لكنّ الاختلاف في الزمن صاحبهُ اختلافٌ في العادة، حيث استبدلْنا فوانيسنا بشاشات التلفاز، والاجتماعات العائلية البسيطة إلى دعواتٍ مُكلفةٍ ومرهقة، يكفي ثمنُ الواحدةِ منها لإطعام عشرة عوائل فقيرة، وكلّ ذلكَ رهنٌ متفاوتٌ بين قدرةِ عائلةٍ وأخرى.
الأكثر غرابةً من ذلك كله.. هو إعادة تدوير الرسائل المعتادة بين الأصدقاء والأقارب بينَ تهنئةٍ باللهجةِ الحجازية، ومقاطع صوتية أو مرئية مبتكرة أو متهالكة، لكنّ الرسالة التي تصمدُ كلّ عامٍ ولا تصدأ هي التي تقول “اقتربَ شهرُ الرحمة والمغفرة، فإنْ أخطأتُ على أحدٍ فليغفر لي، وإنْ أخطأ عليّ أحدٌ فأنا قد غفرتُ له، وكلّ عامٍ وأنتم بخير”!
هذه الرسالة التي تجعلني أفكّرُ في مدى محدوديّة الرؤية لدى الغالب من الناس، فإذا كانَ رمضانُ شهرُ المغفرة والرحمة من لدنّ العزيز الحكيم، فإنّ عدّة الشهور عند اللهِ اثنا عشر شهراً، فيهنّ مغفرةٌ ورحمةٌ أيضاً، فمَنْ ينسى الاعتذار من الناس طيلة العام أيحقّ لهُ طلبهُ في رمضان دون سواه؟
الغريبُ في هذه الرسالة –وأكاد أُجزمُ- هو أنّ لا أحد قد يُجيبُ عليها بعبارةِ عفو، بل يُعاد إرسالها كبقية الرسائل التي تُقرأُ كما تُقرأُ إعلانات عيادات التجميل، كلامٌ منمّقٌ دون ذِكر التكاليف، أقصدُ تكاليفَ المغفرةِ التي لم يسدّدها أحدٌ من قائمة الأصدقاء الطويلة!
إنّ اللهَ الذي تعبدونهُ في رمضان وتتقربونَ إليه.. هو اللهُ في بقيةِ الشهور، موجودٌ بملكوتهِ وقدرته وجلاله، وإنّ القلوبَ التي تتذكّرونها في رمضان.. تتألّمُ صامتةً طيلة العام، ثمّ تغفرُ لكم برسالةٍ لن تُرهقوا أنفسكم بإرسالها لولا وجود “تحديد الكلّ”!
لا أقولُ هذا معترضةً على مبدأ العفو، بل على الطريقة التي لا تعني شيئاً على الإطلاق، سوى أنّ هواتفنا كالببغاء قبل رمضان، وفي رمضان، وبعد رمضان، نكرّرُ فيها ما نسمع.. دون أنْ نعي شيئاً منه ونتدبّر، دونَ أنْ نقصد ما نرسلهُ كذلك للأسف!
**
سارا علي آل الشيخ – كاتبة في صحيفة الإرادة الإلكترونية
Twitter: @saaraali_14