سوريا والتدخل الإنساني .. سابقة تاريخية
سوريا كانت السابقة التاريخية الأولى لتطبيق مبدأ “التدخل الإنساني”، أو التدخل في الشؤون الداخلية لدولة ما بدوافع إنسانية، عندما أرسل امبراطور فرنسا جيشه إلى أراضيها لمنع مذابح ارتكبت هناك، فهل يعيد أوباما في 2013 ما فعله نابوليون الثالث عام 1860.
وفي التاريخ الحديث، ظهرت فكرة التدخل الإنساني خلال حرب بيافرا (1967-1970) عندما انفصل هذا الإقليم الغني بالبترول عن نيجيريا.
خلق هذا النزاع مجاعة رهيبة استخدمتها القوى الدولية المساندة لبيافرا، وعلى رأسها فرنسا، فوجهت اهتمام الإعلام خاصة المصور منه إلى هذه الحرب وأرسلت عدة أفواج من الصحفيين والمصورين بالطائرات لنقل صورة هذه المأساة إلى العالم وخلق زخم دولي مؤيد للإقليم المنفصل.
أدت هذه الأوضاع المأساوية في بيافرا إلى إنشاء منظمات غير حكومية كان أبرزها أطباء بلا حدود، والتي أسسها برنارد كوشنر الذي أصبح فيما بعد وزيرا للخارجية الفرنسية. ودافعت هذه المنظمات عن فكرة أن بعض الأوضاع الإنسانية والصحية يمكن أن تبرر، بصفة استثنائية، إعادة النظر في سيادة الدول ما يسمح بالتدخل بدافع الإغاثة.
ويكون هذا التدخل شرعيا، حسب مؤيديه، فقط عندما يتم بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان واسعة النطاق وفي إطار كيان دولي مثل مجلس الأمن.
وبين عامي 1988 و 1991 تبنت الأمم المتحدة ثلاث قرارات بهذا المعنى، اولها لإغاثة ضحايا زلزال أرمينيا ثم أكراد العراق وأخيرا مواطني جمهورية يوغوسلافيا السابقة المهددون بالتطهير العرقي أو ما عرف بأزمة كوسوفو.
“كيماوي سوريا”
تجدد الحديث عن اللجوء إلى “التدخل الإنساني” في سوريا، إثر “هجوم كيماوي” على ريف دمشق يوم 21 أغسطس، أوقع أكثر من 1300 قتيل، ووجهت الاتهامات إلى حكومة الرئيس بشار الأسد.
وفي حال حدوث هذا “التدخل الإنساني” فلن تكون المرة الأولى، التي يطبق فيها هذا المبدأ في سوريا حيث اتخذته فرنسا عام 1860 ذريعة للتدخل العسكري في سوريا، الولاية عثمانية آنذاك والتي كانت تضم لبنان.
قتل وقتها نحو 20 ألف شخص، أغلبيتهم من المسيحيين، في اشتباكات طائفية دارت في جبل لبنان وامتدت إلى دمشق بين المسيحيين من ناحية والدروز والمسلمين من ناحية أخرى. واتهمت السلطات العثمانية بالوقوف إلى جانب المسلمين في هذه المذابح.
وقرر نابوليون الثالث، بموافقة الدول الأوروبية، إرسال قوة من 12 ألف جندي لوضع حد لما أطلق عليه “حمام الدم”.
بقى فيلق من 6 ألاف جندي فرنسي على أرض سوريا قبل أن ينسحب بعد نحو عام عند عودة الهدوء.
وعلى الرغم من الترويج لهذه العملية على أنها أول “تدخل إنساني” فعلي و “أول قوة حفظ سلام” عرفها التاريخ، إلا أن المناهضين لها يشككون في دوافعها الإنسانية.
يقول الباحث السويسري باسكال هيرن: “بالنظر عن قرب للأحداث الطائفية لعام 1860، نجد أن القوى الأوروبية كانت تؤججها، فقد كانت مصالحها هناك كبيرة وموضوعة على المحك حيث كانت تتصارع هذه الدول بضراوة على تقاسم ولايات الإمبراطورية العثمانية المتهالكة”.
وأردف: “للوصول إلى غاياتهم، استند كل طرف على طائفة محلية قام باستخدامها لتحقيق أهدافه: الفرنسيون يحمون الكاثوليك، الروس يدافعون عن الأرثوذكس بينما يتبنى البريطانيون الدروز”.
وكان من آثار التدخل في سوريا عام 1860، أن عززت فرنسا من سطوتها على الاقتصاد في لبنان لدرجة أن 50 بالمئة من القوة العاملة كانت تعمل مع المؤسسة الفرنسية لإنتاج الحرير حتى عام 1914.
ثم قررت باريس أن تتخلى عن مورديها اللبنانيين فانهار هذا القطاع وفقدت هذه الكتلة من الشعب مصدر رزقها.
ثم في 1915، فرض الحلفاء الفرنسيون والبريطانيون حصارا على السواحل السورية ومنعوا السلع الغذائية من الوصول إلى هذه المنطقة التي كانت تعتمد اعتمادا كبيرا على استيراد الحبوب الغذائية.
كان الهدف دفع الولايات العربية إلى التمرد على السلطنة في إسطنبول، والتي كانت تحارب إلى جانب ألمانيا في الحرب العالمية الأولى.
لكن النتيجة كانت مجاعة غير مسبوقة أدت إلى وفاة 200 ألف شخص في وسط وشمال جبل لبنان و300 ألف آخرين في أنحاء أخرى من سوريا.
يشير هيرن إلى أن “فرانسوا جيزو، سفير فرنسا في لندن لخص عام 1840 الحسابات الجغرافية-السياسية المحركة للدول الأوروبية آنذاك والتي كانت ترسم سياسة وزير الخارجية البريطاني لورد بالمرستون”.
يوضح هيرن أن جيزو قال:”يوجد هناك في قاع واد أو أعلى قمة جبل في لبنان، أزواج وزوجات وأطفال يحبون بعضهم البعض ويمرحون ويلهون. سيتم ذبحهم بدون ذنب، غير أن لورد بالمرستون وهو يسير في لندن قال لنفسه: يجب أن تتمرد سوريا، أحتاج إلى أن تتمرد سوريا وإذا لم تتمرد فسأكون أحمقا لدرجة كبيرة”.