إخواننا المسلمين وإخوانهم

تعصف بدولنا الخليجية أزمة إن تشاءمنا فستكون طاحنة لن يسلم من تداعياتها أحد، وإن تفاءلنا فستكون عابرة، يشتد على إثرها عود الوحدة الخليجية وتكون أكثر صلابة من ذي قبل في ظل صراع دامي باتت تعاني منه شعوب المنطقة أحد أبرز تداعياتها “الربيع العربي” الذي تم الزج بنا في أحداثه ما بين جهالة الأحلام البراقة لأنظمة ديمقراطية تنهي حالات التعسف والظلم والقهر وإنعدام المساواة الذي كانت تعاني منه شعوب المنطقة من أنظمة حكمتها لعقود، وما بين أطراف خبيثة سعت تلهث وراء السلطة غير عابئة بالمصير الذي ينتظر هذه الشعوب المغلوب على أمرها!!! ولعل أهم محور دارت حوله أحداث هذا “الربيع” المشؤوم هو حركة الإخوان المسلمين وقفزهم على السلطة من خلال هذه الأحداث، سواء كانت بالانتخابات أو “الفوضى المدمرة” والتي أطلق عليها الغرب “الفوضى الخلاقة”، أو حتى من خلال النضال المسلح!!!وبات واضحاً أن شعوب المنطقة لم تكن مستعدة لهذه التغييرات الدراماتيكية والسلطوية والتي كانت بالنسبة لهم حتى أسوأ من الأنظمة التي سبقتها، وراحت السكرة وجاءت الفكرة!!!
إلى أن وصلنا اليوم إلى أزمتنا الخليجية ومحورها قطر والإخوان المسلمين الذين تم إعتبارهم تنظيماً إرهابياً شأنهم شأن “حزب الله اللبناني”، وهنا لن أدخل بتفاصيل هذه المسألة على المستوى الإقليمي والعربي والدولي لترك المحال للدور الذي تلعبه بلدي الكويت لتهدئة الأمور ومحاولة إيجاد تسوية للحول دون المزيد من الخسائر، إلا أنني سأتحدث عما يقلقنا في الشأن الكويتي بهذا الخصوص، الكثير من الإخوة في الخليج تختلط لديه الصورة عن الحديث عن دور تيار الإخوان المسلمين في الكويت، ويعتبرهم امتداد أو بمعنى أصح ركيزة تيار الإخوان المدمر في المنطقة والذي لابد من اجتثاثه وإنهاء وجوده، دون النظر لطبيعة الكويت وتركيبة القوى السياسية والاجتماعية فيها وما تشكله فيها “حدس” من قوى سياسية فاعلة ومؤثرة لا ينكرها أي كويتي، سواء اتفقنا أو اختلفنا معها وسواء أحببناها أم كرهناها، إلا أنها موجودة وبكثافة كجزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والسياسي في الكويت، “حدس” الكويتية والتي أطلقت على نفسها هذه التسمية بعد الغزو العراقي الغاشم للكويت كانت مدركث تمام الإدراك أن الموقف السلبي لتيار الإخوان المسلمين من تحرير الكويت، لابد لها أن تتبرأ منه وإن كانت بالتسمية، لتنخرط مجدداً وبفاعلية في حراك المجتمع الكويتي وتتشكل في الحكومات المتعاقبة والمجالس النيابية والأنشطة الاقتصادية والفعاليات الطلابية التي لا زالت تسيطر وبدون منافس على أنشطتها من خلال ما تملكه من كوادر فاعلة، كان آخرها الركوب على قطار “الربيع العربي” سواء من خلال الحساب المشبوه “كرامة وطن” أو غيره في دور عبثي مدمر دمرت من خلاله حراك شبابي كان أغلب أعضائه مغلوب على أمرهم ليسيروا خلف شعارات رنانة دمرت مستقبل بعضهم، بعد إدراكهم متأخرين نوايا لم ترد الخير لهم أو لبلدهم سوى السلطة، وكان الدعم الخارجي المعنوي منه والمادي إن وجد يشكل نشوة هذا الحراك والمحرك لعناصره، تلك إذن حقيقة مؤلمة ومخيبة للآمال لنا جميعاً، إلا أنه كانت للحكم في الكويت نظرته وفلسفته الخاصة والحكيمة في معالجة ذلك لما للكويت من خصوصية في الحفاظ على أمنها واستقرارها الداخلي وتوحيد جبهتها الداخلية أمام أخطار كبيرة محيطة بها من كل جهة، الأمر الذي دفع البعض وبأسف شديد لوصف ذلك بالضعف، وهو أمر غير صحيح البتة، فابنك هو ابنك إن احتويته إزدت قوة وإن قتلته إزدت ضعفاً لتصبح حينها محط أطماع الآخرين!!!
اليوم “حدس”من المفترض أن ترتدي رداءً كويتياً بعيداً عن كل الشبهات وليس لها مناص من ذلك فالكل ينظر لها كآخر معقل لتيار الإخوان المسلمين في الخليج بعد قطر، وقد وصفها الفريق ضاحي خلفان (والذي لا يمثل نفسه) بأنها أي الكويت باتت المعقل السياسي لتيار الإخوان المسلمين في الخليج، والحقيقة أن الكويت ليست كقطر لتستطيع طرد بضعة نشطاء من الإخوان المسلمين لديها، وليست كغيرها من الدول لتزج نشطاء هذا التيار في السجون لديها، وتحاكمهم فقط لانتمائهم لـ “حدس” فالوضع يختلف تماماً من حيث الشكل والموضوع، وإن فعلت ذلك فستكون كمن فقأ عينه بيديه، وهذا ما يخشاه حكماء الكويت، والعارفين بدهاليز السياسة وليس المراهقين ممن تأخذهم الأمواج يميناً وشمالاً، حكماء بلدي وإن كانوا مدركين تمام الإدراك نشاط الإخوان المسلمين الساعي للسلطة في منطقتنا الشرق أوسطية، إلا أنه بوسع بصيرتهم يستطيعون ضبط حدس الكويتية في الداخل، بما يحافظ على أمن الكويت واستقرارها والحفاظ على جبهتها الداخلية، وأنا أعلم علم اليقين بأن المسألة ليست بالهينة أمام الضغوط الرهيبة التي تتعرض له الكويت من أشقائنا الأقربين، وحملة التشكيك بنكراننا للجميل وغيره من نيران صديقة، رغم أننا نتفهم دوافعهم هذه وهم يعرفون ذلك خير المعرفه!!! إلا أن عليهم أيضاً تفهم الأوضاع الداخلية لدينا وتركيبة نسيجنا الاجتماعي والسياسي، في الوقت الذي يتوجب فيه على حدس تقدير وضع الكويت الحرج هذا والعمل على حرصها على أمننا واستقرارنا وانصهارها في داخل المجتمع الكويتي ونفض يدها عن حركة الإخوان هذه، إن كان أفرادها يريدون النجاة بأنفسهم، بعد أن بات اللعب فيه على المكشوف، والبعد عن الدخول في متاهات أزمتنا الخليجية والتخندق لنصرة تيار الله وحده عالم لو تمكن أفراده من تولي زمام الأمور لكانت “حدس” أول ضحية لهم، فنحن لا نزال بنظرهم أعراب حبانا الله بمال لا نستحقه وإن أطلنا اللحى وقصرنا أثوابنا، اليوم على الإخوة في حدس النأي بأنفسهم عن هذه المتغيرات وعدم إحراج بلدهم بالوقوف مع طرف ضد آخر على أقل تقدير، فالكويت اليوم أحق بأن تكونوا أول من يقف معها، والطوفان إن جاء لن يستطيع أحد الوقوف أمامه وستكون حدس أول ضحاياه.
في الختام، “الإرهاب”مفهوم لابد من الحرص على استخدامه كحجة لنا للحجة علينا، كما نحن عليه الآن، والكويت هي الرئة التي يتنفس من خلالها ساسة الخليج فلا تقتلوها بتفكير سلطوي أعمى ستكون نتائجه وخيمة علينا جميعاً… اللهم أني بلغت فاشهد.
**
السفير جمال النصافي – كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية
Twitter: @Nesafi