اقتصاد
“الشال” : ارتفاع البورصة .. مغامرة ومضاربة على أسهم رخيصة

قال تقرير الشال الاقتصادي الأسبوعي أن تركيز السيولة كان شديد على نحو 10% من الشركات المدرجة -18شركة مدرجة- والتي استحوذت على نحو 52.1% من سيولة البورصة في أول 14 يوم عمل من عام 2017، مبينا أن العينة شملت 10 شركات كبيرة قيمتها السوقية، أعلى من 100 مليون دينار كويتي، و8 شركات أدنى من تلك القيمة. خلال الأسبوع الجاري، ارتفع معدل لأول 19 يوم عمل من السنة الحالية إلى نحو 51.8 مليون دينار كويتي، أو أعلى بنحو 21.8% قيمة التداول اليومي عن معدل الـ 14 يوم عمل الأولى من العام، وبلغ نحو بنحو 4.5 ضعف ونحو 3.3 ضعف ذلك المعدل في عامي 2016 و2015 على التوالي.
وأضاف التقرير ان هذا الارتفاع الكبير أثر قليلاً في مكونات قائمة أعلى 18 شركة سيولة عن الأسبوع قبل الفائت في اتجاهين، الأول، هو أن السيولة ضمن قائمة الشركات الأغلى، وهي ما زالت 10 شركات ضمن القائمة ممن تزيد قيمتها السوقية عن 100 مليون دينار كويتي، صاحبه خروج شركة واحدة فقط من القائمة، ودخول جديدة مكانها. والاتجاه الآخر، هو خروج شركتين صغيرتين من القائمة، ودخول اثنين صغيرتين جديدتين مكانهما. لذلك لا تغيير في الخلاصة التي وصلنا إليها سابقاً، وهي أن السيولة بلا هوية قاطعة، فهي مزيج من تدخل استثماري إذا كانت الغلبة لأموال القطاع الخاص، وميل أيضاً إلى الاستثمار المغامر والمضارب على أسهم رخيصة، والذي تكمن خطورته في أنه قصير الأمد.
وأوضح شحة السيولة لا زالت نصيب نصف الشركات المدرجة -92 شركة-، فقد حظيت هذه الشركات على نحو 26.6 مليون دينار كويتي فقط من أصل 985 مليون دينار كويتي هي قيمة تداولات كل البورصة منذ بداية العام، أي نحو2.7% من إجمالي السيولة، وغالبية تلك الشركات تمثل عبئاً على البورصة وعلى حاملي أسهمها، لأن تكاليف الإدراج لا تتناسب وسيولة السهم. ولو ذهبنا أبعد من ذلك في تصنيف الشركات غير السائلة، نجد أن هناك 50 شركة حظيت فقط بنحو 0.1% من سيولة البورصة في 19 يوم عمل، وضمنها 11 شركة لم يتم عليها أي تداول رغم فورة نشاط السيولة غير المسبوقة منذ عام 2009. واستمرار هذه الشحة في زمن سيولة عالية غير مسبوقة، يعطي مبرر كاف لإدارات تلك الشركات، وإدارة البورصة، لتسريع آلية انسحابها من الإدراج، وذلك فيه مصلحة للشركات المنسحبة، وتقوية لما تبقى منها مدرج، ومن دون ضغط كبير على إيرادات شركة البورصة، وبعد الغربلة، ربما يجذب الإدراج شركات أفضل، عندما تتحسن نوعية شركات البورصة.
الشركات المدرجة
قال الشال في 19 يوم عمل منذ بداية العام 2017، التي حظيت البورصة خلالها على مستوى سيولة مرتفع جداً، ولأن تلك السيولة هي المتغير الأهم، وتتحقق في زمن أحداث عنف جيوسياسية في الإقليم، والكثير من المتغيرات العالمية الكلية السلبية، واستمرار ضعف سوق النفط وإن تحسن قليلاً مؤخراً، لا بد من البحث في هويتها على كل تصنيفات الشركات المدرجة، إما للمساهمة في تعزيزها، أو التحذير منها.
وأضاف التقرير في تتبع نصيب أكبر 10% من الشركات المدرجة، أي الأعلى قيمة رأسمالية، -18 شركة مدرجة- من تلك السيولة، نلاحظ أنها حظيت بنحو 31.5% من سيولتها، رغم أنها تساهم بنحو 70.6% من القيمة السوقية لمجموع الشركات المدرجة، أي أن نصيبها من سيولة البورصة أقل من نصف نصيبها من القيمة الرأسمالية. وحتى ضمن تلك القائمة، 9 شركات، أو 50% من أعلى الشركات قيمة، كانت سائلة، وحظيت بنحو 28% من كل سيولة البورصة، تاركة 3.5% فقط من تلك السيولة لـ 9 شركات كبيرة أخرى، وذلك يفسره –ربما- انحياز المحفظة الوطنية لنصف الشركات الكبيرة. وضمن الشركات الـ 9 الكبرى غير السائلة، هناك أكثر من نصفها -5شركات- لم تحظى سوى بـ 0.4% من سيولة السوق، وتلك ظاهرة غير صحية، وتؤكد عدم شمول فورة السيولة شركات صحية تعتبر من المكونات الجيدة لبورصة الكويت.
واشار لو ذهبنا إلى النقيض، أي أصغر 10% قيمة رأسمالية من الشركات المدرجة -18 شركة-، حيث لا تزيد قيمتها السوقية مجتمعة عن 80.6 مليون دينار كويتي، ولا تمثل سوى 0.3% من القيمة الرأسمالية لكل شركات البورصة، نلاحظ أنها أكثر سيولة. فبينما بلغ معدل دوران أكبر 18 شركة نحو 1.49%، بلغ لأصغر 18 شركة نحو 23.8%، حيث حظيت تلك الشركات الصغيرة بنحو 1.95% من سيولة البورصة، أو أكثر من 4 أضعاف مساهمتها في قيمة شركاتها. ولكن، حتى ضمن قائمة أصغر الشركات، 5 شركات فقط حظيت بنحو 1.92% من سيولة البورصة تاركة نحو 0.03% فقط من سيولة البورصة لـ 13 شركة أخرى. ذلك التركيز يوحي باحتمال اتجاه المغامرة أو المضاربة الضارة على عدد محدود من أصغر الشركات، وهو مؤشر آخر على خطورة كامنة في التداولات النشطة.
وأوضح أن الوقت لازال مبكراً جداً لإصدار أحكام، وأن ارتفاع سيولة البورصة أمر محمود، وفي بعض توجهاته، مبرر، ولكن، تجارب التاريخ والارتفاع غير المبرر لأسعار بعض الشركات، والارتفاع دون تصحيح مستحق، أمر يحتاج إلى حذر ومراجعة، فالارتفاع الصحي ارتفاع مرحلي، ويصحح نفسه بين الحين والأخر، وربما في تداولات يوم الخميس الفائت بعض الوعي حيث بدأ بعض التصحيح للمؤشرات وانخفاض السيولة.
توزيع السيولة
بين التقرير تندرج شركات البورصة تحت 12 قطاع، ضمنها 5 قطاعات رئيسية نشطة، قيمة شركاتها مجتمعة تمثل نحو 90.1% من قيمة كل شركات البورصة، وحظيت تلك القطاعات الخمسة على قدر من السيولة بما يتناسب مع تلك المساهمة، وبنحو 87.2% من مجمل السيولة في 19 يوم تداول. ولكن، توزيع السيولة على تلك القطاعات النشطة، لا يتناسب مع وزن وقيمة كل قطاع ضمنها في البورصة، وذلك غير مستغرب، ولكن مؤشراته قد تعزز غلبة الاتجاه المضاربي.
وأوضح ان قطاع البنوك الذي يزن نحو 47.4% من قيمة كل شركات البورصة، والمستفيد الأكبر من إرتفاعات أسعار الأسهم، والمراقب والملتزم بسياسات محافظه، حظي بنحو 20.9% من سيولة البورصة منذ بداية العام الجاري، أو نحو 44.1% من نسبة مساهمته بالقيمة. بينما حظي قطاع الخدمات الماليةـ ومعظمه شركات استثمار بنحو 28.6% من سيولة البورصة، بينما مساهمته في قيمة البورصة لا تتعدى 10.2%، أي حظي بسيولة قريبة من ثلاث أضعاف مساهمته في القيمة. وبقدر ما يمكن تفسير الاتجاه لهذا النوع من الأسهم، بأنها أسهم كانت مضغوطة لفترة طويلة من الزمن، وأنها مستفيدة من ارتفاع أسعار أصولها، وغالبيتها أسهم، وفي ذلك منطق، إلا أن المبالغة في انحياز السيولة إليها يرفع كثيراً من مخاطر الاستثمار فيها. كذلك حظي قطاع العقار بنحو 19.7% من سيولة البورصة، بينما مساهمته في قيمتها نحو 8.5%، أي حظي بسيولة تساوي نحو 2.3 ضعف مساهمته في القيمة، وسوق العقار أيضاً يتعرض لضغوط إلى الأدنى على أسعار أصوله، وتكثيف التداول عليه يوحي أيضاً بغلبة التوجه المضاربي. وحظي كلاً من قطاع الصناعة وقطاع الاتصالات، وهما من القطاعات السائلة، على 12.2% و8.7% من سيولة البورصة على التوالي، وهما نسبتان قريبتان من مساهمتهما في قيمة البورصة.
وتوزيع السيولة بين القطاعات متوازن مع نسبة مساهمتها في قيمة البورصة، فالقطاعات الـ 5 الرئيسية النشطة، حظيت بنحو 90.1% من سيولة البورصة مقابل 87.2% من قيمتها كما ذكرنا، بينما حظيت القطاعات الـ 7 الأخرى بنحو 9.9% من تلك السيولة، ومساهمتها في قيمتها نحو 12.8%. ولسنا أيضاً يصدد إصدار أحكام مبكرة على هوية توجهات السيولة، ولكن، رصد المؤشرات، الجيد منها والخطر، قد يؤدي إلى استفادة البعض عند بناء قرارهم الاستثماري، مع التأكيد دائماً على أن ما نذكره هو اجتهاد، يقبل الصواب، كما يقبل الخطأ.
التقرير الاقتصادي الشهري
وقال لسنا بصدد عمل مراجعة أو نقد –إيجاباً أو سلباً- للتقرير الشهري للفريق الاقتصادي لوزير المالية، ولكننا نود التذكير فقط بأن أرقام الإنفاق الاستثماري أو الإنفاق على المشاريع الإنشائية من دون ربطها بالعائد الاقتصادي، قد يؤدي إلى نتائج عكسية. ففي بداية القرن الحالي، كتبنا في تقريرنا تحذيرات باتت مكررة ومملة عن خطورة الاندفاع في توسع السياسة المالية. وبسبب تداعيات ذلك التوسع، كل ما تهدف إليه السياسات المعلنة حالياً، هو مجرد العودة بالأوضاع بضعة سنوات إلى الخلف لتعويض خسائر تلك السنوات فقط. واعتبار أرقام الإنفاق على المشروعات الملتزم بها أو تلك المتعمدة أو المقدرة على أنها تطور إيجابي في زمن فيه الحكومة عاجزة عن صيانة وتشغيل القائم من المشروعات -طرق ومستشفيات ومدارس وموانئ..ألخ-، قد يؤدي إلى توسعة الفجوات الهيكلية بدلاً من ردمها، أي يعمق تداعيات السياسات المالية القديمة. مثال في الجدل الدائر حالياً حول خط الأنابيب النفطي من كندا إلى خليج المكسيك، والجدل يتمحور حول خلق 28 ألف وظيفة ونوعيتها مقابل المضار البيئية له، وليس حول تكلفته.
واوح ان التقرير يذكر بأن خطة التنمية تستهدف إنفاق استثماري بحدود 34 مليار دينار كويتي لغاية 2020، من دون ربط الإنفاق بعدد فرص العمل المستدامة والمواطنة، أو معدلات النمو الاقتصادي المستهدفة، ومن دون ربط بأثرها على ردم الفجوة المالية لاحقاً، ومن دون ربط بأهداف التنمية المعلنة، أي الارتقاء بتنافسية الاقتصاد المحلي وتسريع تحوله إلى مركز تجاري ومالي، أو إلى أثرها العام في تنويع مصادر الإنتاج والدخل.
وتابع أن الارتقاء بمستوى الإنفاق الاستثماري إلى 36% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، وهو مستوى جيد لم يتحقق منذ 20 سنة، ذهب إلى مشروعات بقيمة 7.5 مليار دينار كويتي منحت في عام 2014، وتوقيع عقود بقيمة 12 مليار دينار كويتي في عام 2015، وأخرى بقيمة 3.6 مليار دينار كويتي منحت لغاية سبتمبر 2016، بالإضافة إلى 1.3 مليار دينار كويتي لتوسعة الطاقة الاستيعابية للمطار. كلها مشروعات لا تأثير حقيقي لها في تنويع مصادر الدخل، وتخدم التوسع الإسكاني الأفقي، بما يضاعف من، خلل التركيبة السكانية، وخلل ميزان العمالة، وكلها سياسات غير مستدامة، وضاغطة بشدة على الفجوة المالية، والمالية تعاني من عجز متصل بسبب ضعف سوق النفط المحتمل والمستمر على المدى الطويل هذه المرة.
ولا يفترض في تقرير اقتصادي أن يبني على وضع غير مستدام، فالأصل هو استباق حدوث الأزمة، وليس الاعتذار حال حدوثها، ثم البحث عن حلول موجعة لمواجهتها، ولا يفترض في التقرير الاعتداد بتصنيفات إئتمانية من مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية، لأن جمهورها هو مقرض مالي عالمي، والمدى الزمني لها هو بضعة سنوات. وحتى الحديث عن وفر في مصروفات الدعم -بنزين وكهرباء وماء-، وهو توجه مستحق، من دون دعم له بخطوات لمواجهة الهدر والفساد المستشري وآخر أمثلته تخلف الكويت في جدول مدركاته 20 مركزاً في عام واحد، توجه غير قابل للتسويق لغياب القدوة في السياسات الحكومية. لذلك، نتمنى أن يكون مرتكزات التقرير الشهري القادم هي مرتكزات تقارير الدول الحصيفة، مثل النمو والبطالة والبيئة والعائد المالي والتنافسية وحصافة الإنفاق ونظافته، بمعنى آخر، كلها أهداف تقع تحت عنوان الاستدامة من عدمها.