مركز جابر الأحمد الثقافي.. أم دار أوبرا؟

يعتبر إنشاء مركز ثقافي في دولة الكويت الثمرة التي غرس بذرتها الأولى رجال الأمس البعيد، بأحلامهم التي قاربت الحقيقة، وطموحا سابق الزمن، ففي بداية الستينيات من القرن الماضي، تم افتتاح البعثات الخارجية للفنانين الكويتيين لدراسة الموسيقى في جمهورية مصر العربية، وبخطوات سابقت الزمن تم افتتاح المعاهد الفنية «موسيقى ومسرح» في بداية السبعينيات، ولا يفوتنا في هذا المقام الاجتماع الأول لمجلس إدارة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الذي عقد في 21 /1/ 1974م برئاسة الأستاذ عبدالعزيز حسين وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء ورئيس المجلس الوطني – آنذاك ـ وبحضور الأستاذ أحمد العدواني الأمين العام – الأول – للمجلس الذي تم فيه إقرار إنشاء دار للأوبرا في دولة الكويت.
تلك العجالة من السرد التاريخي للحركة الثقافية في دولة الكويت، تؤكد بروز حركة فنية أكاديمية راقية عمت أرجاء دولة الكويت امتدت جذورها الفعلية ما قبل عام 1960 إلى يومنا هذا، حيث توجت بافتتاح مركز جابر الأحمد الثقافي، الذي كنا نأمل أن يكون «الهدف» من إنشائه أشمل مما رسم له حسب ما أقرته المصادر بقولها: إن الهدف من إنشاء مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي هو تسليط الضوء على «الفنون المسرحية» وإلى خلق «عالم مسرحي»، انظر «ويكبيديا الموسوعة الحرة online»، وهذا ما يفسر في حفل الافتتاح اعتلاء بعض رواد المسرح فقط أمثال الفنانين «سعاد عبدالله، وحياة الفهد، وسعد الفرج وحسين عبدالرضا»، دون وجود ذكر لرواد الموسيقى والغناء الكويتي،.بالرغم من الإشارة لوجود مبنى لمركز موسيقى.
نأمل ألا يكون سبب نص الهدف هو السجال الذي وقع في «المجلس البلدي» على مصطلح «دار الأوبرا»، ليكون في النهاية تحت مسمى «مركز ثقافي»، رغم أن وزارة التربية أخذت على عاتقها عمل «أوبريت» سنويا منذ القرن الماضي رغم أن لفظة «أوبريت» تصغير لمصطلح «أوبرا»، حيث كان يشدو به سنويا الأستاذ الكبير شادي الخليج، بألحان الفنان غنام الديكان، والفنان الراحل أحمد باقر، وقلة من الشعراء المبدعين في هذا البلد الكريم، مستحضرين من ذاكرتنا الثقافية بأن الحركة المسرحية في الوطن العربي بدأت غنائية وليس مسرحا فقط، حتى أن بدايات المسرح تجدها مرتبطة بالعنصر الغنائي، والذي وصل أوج ازدهاره إلى أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين بما يؤكد أن المسرح الغنائي هو الأساس، فمن خلال «أبو خليل القباني» و«نجيب زين الدين» في الشام القديمة، مرورا بجمهورية مصر العربية بفرقة «سليم النقاش» و»يوسف الخياط» و«احمد أبو خليل القباني» و«سليمان القرداحي» و«اسكندر فرح» كما كان لظهور الشيخ سلامة حجازي في فرقة «سليمان القرداحي» عام 1885م مرورا بسيد درويش إلى مرحلة محمد عبدالوهاب. كان المسرح غنائيا ولم يكن مسرحا فقط.
لذا فالأمل أن يكون الهدف أشمل من «تسليط الضوء على الفنون المسرحية» وإلى خلق عالم مسرحي، إلى هدف حقيقي، وهو «ألا يكون هذا مشروعا لاستيراد الثقافة، بقدر ما يكون مركزا لتصدير الثقافة الكويتية والخليجية والعربية إضافة للعالمية، وهذا لن يتحقق إلا إذا وضع بالاعتبار استراتيجية ثقافية تجعل منه مصدر إشعاع للإنتاج الثقافي المحلي للكفاءات والكوادر الفنية الكويتية بشكل عام من خلال فتح قنوات تدريب لمواهب الشباب والناشئة من الجنسين في مختلف الفنون المرتبطة بالمسرح الغنائي والفنون الشعبية والرقص الشعبي والعالمي، دون إغفال الفنون التشكيلية والرسم وباقي الفنون الجميلة الأخرى. الأمر الذي يجعله مركز اشعاع فني وفكري منوط بالثقافة الكويتية بشكل خاص، وبمنطقة الخليج العربي والعالم العربي بشكل عام.
أ.د. حمد عبد الله الهباد – كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية