إيران تنسف هدنة حلب

مأساة حلب تتابع فصولها مع تعنّت النظام السوري والميليشيات الداعمة له في رفض اي وقف لإطلاق النار، يتيح بخروج آمن للمدنيين، فبعد ما أشيع عن اتفاق روسي ـــ تركي لهدنة تسفر عن خروج المقاتلين، ومن يرغب من الأسر إلى ادلب، عاد القصف العنيف ولم يخرج احد. بينما تبقى المشكلة في الإيرانيين والميليشيات الشيعية الذين يرفضون أي مبادرة لوقف النار.
وقالت مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى لــ «القبس» إن «الجانب الإيراني أبدى انزعاجا كبيرا من الاتفاق حول حلب، لانه جرى بشكل مباشر بين تركيا وروسيا ولَم يتم إشراكه فيه، على الرغم من ان الميليشيات الشيعية التي يشرف عليها رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني هي التي تتحمل العبء الأكبر ضد المعارضة».
واضافت المصادر ان «إيران حاولت في البداية عرقلة الاتفاق من خلال وضع الشروط، وعندما فشلت في مسعاها دفعت قوات النظام والميليشيات الى خرق الهدنة واستئناف القصف على الاحياء المحاصرة».
وأكدت المصادر التي شاركت في المحادثات التي جرت خلال الاسابيع الاخيرة حول سوريا والاوضاع في حلب تحديدا ان الجانب الايراني كان الاكثر تشددا وتصميما على مواصلة القتال.
واشارت الى ان «المعارضة سبق ان طلبت من المبعوث الاممي ستيفان دي ميستورا ضمانات يمكن على أساسها اخراج مقاتلي فتح الشام (النصرة سابقا) من حلب، لكن الإيرانيين بدأوا بوضع الشروط والمماطلة، ورفضوا لاحقا المبادرة بشكل قاطع».
وقالت المصادر: «بدت ايران مصممة، وبشكل واضح، على الذهاب في الحسم العسكري حتى النهاية، من خلال رفضها كل المبادرات لوقف اطلاق النار».
وأعادت المصادر التذكير بالتصريحات التي صدرت عن قيادات في الحشد الشعبي في العراق الذين توعّدوا بالذهاب الى سوريا تحت حجة ملاحقة العناصر الهاربة من «داعش» في الموصل.
وحول مستقبل الاوضاع في حلب والاتفاق التركي ـــ الروسي، قالت المصادر لـــ القبس: إن هذا الامر مرتبط بالقرار الروسي، فإذا ما اصر الرئيسي فلاديمر بوتين على تنفيذ الاتفاق الذي توصلت اليه موسكو مع انقرة فمن المستبعد ان تذهب ايران بعيدا في معارضتها، ولا بد ان ترضخ في النهاية للقرار الذي سيصدر عن الروس.
واجرى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان محادثات هاتفية امس مع بوتين حول الاتفاق. وفي وقت قال مسؤول تركي ان الاتفاق لا يزال قائماً لكنه هش جدّاً وان انقرة تتصرّف بحذر مع روسيا واطراف أخرى، اتهم وزير الخارجية مولد تشاويش اوغلو النظام وحلفاءه بخرق الهدنة، قال: «نرى الآن أن النظام وبعض المجموعات (الداعمة له) تحاول منع تطبيق وقف إطلاق النار».
وفي هذا السياق، قال ناشطون إن من عرقل الاتفاق وخرق الهدنة الميليشيات الإيرانية، مفسّرين ذلك بأن الاتفاق تم بين الروس والمعارضة من دون إشراك إيران، وان طهران لما وجدت نفسها «خارج اللعبة» عملت على العرقلة، ما من شأنه ان يبرز «الخلاف الكبير بين الإيرانيين والروس، وصراعهما على النفوذ في سوريا».
ووفق مزاعم ايران و«حزب الله» فإنهما يريدان ربط الاتفاق بملفات أخرى بينها مطالب تتعلق ببلدتي الفوعة وكفريا، الشيعيتين المحاصرتين من الفصائل في محافظة إدلب، حيث وضعت ايران شرطاً، بأنها تريد عمليات اجلاء متزامنة لمصابين من قريتي الفوعة وكفريا. كما قالت وحدة للإعلام العسكري تديرها ميليشيات «حزب الله» إن المحادثات لا تزال جارية بشأن الاتفاق، وإن الاتفاق سيكون مُلغًى إن لم تلبّ المطالب.
في المقابل، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن مقاتلي المعارضة قصفوا قريتي الفوعة وكفريا أمس، ردّاً على مذابح الميليشيات الشيعية بحق اهل حلب.
خرق الهدنة وقصف مكثف
وبينما زعم الجيش الروسي أن النظام استأنف المعارك بعد ان اغتنم مقاتلين متمردين اغتنموا الهدنة فتجمعوا عند الفجر، وحاولوا خرق مواقع النظام في شمال غرب حلب، مؤكدا «مواصلة العمليات»، نفت جهات معارضة الاتهامات الروسية جملة وتفصيلاً، واتهمت النظام وحلفاءه بأنهم يقفون وراء إجهاض الاتفاق، وأكدت التزمها الكامل ببنوده الموقعة، وقال الفاروق أحرار قيادي وطرف مفاوض موقع على بنود الاتفاق لـ القبس إن روسيا أخلَّت بمضمون الاتفاق ولم تلتزم تعهداتها، وتحاول وضع العراقيل من خلال وضع بعض الشروط الخاصة بالفوعة وكفريا. مؤكداً أن المعارضة فوجئت بحجم القصف المكثف والمفاجئ حينما كانت باصات المدنيين تتجهز للخروج.
واعتبر الفاروق أن فشل الاتفاق يعني أن كارثة انسانية ستحصل، ويتحمل المجتمع الدولي والأطراف المعنية كامل مسؤوليتها.
وأكد الناشط الميداني رامي أحمد لـ القبس أن اشتباكات عنيفة تدور الآن في محيط الأحياء المحاصرة يتخللها قصف عنيف بالطائرات الحربية التي نفذت غارات عدة بالقنابل العنقودية والصواريخ الارتجاجية، وقصف مدفعي وصاروخي مكثف وقصف بصواريخ الفيل الشديدة الانفجار ما أدى لسقوط أكثر من «خمسة عشر» قتيلاً وعشرات الجرحى في صفوف المدنيين.
وأشار رامي إلى أن أعصاب المدنيين باتت «متوترة ومنهارة» بعد أن جهز الجميع أنفسهم للخروج ظنا منهم أن الخلاص من الجحيم قد اقترب ليأتي عليهم خبر انهيار الاتفاق كالصاعقة.
الإجلاء تأجل
واكدت المصادر وشهود العيان عدم خروج أي مدني محاصر، وتجمع المدنيون في حي المشهد أحد آخر الأحياء، تحت سيطرة الفصائل منذ الفجر، منتظرين أي معلومات بشأن الحافلات التي كان يفترض أن تقلهم، وأمضى كثيرون منهم ليلتهم على الأرصفة لعدم وجود ملاجئ تؤويهم. بينما زعم مصدر قريب من دمشق ان اتفاق الإجلاء تم تعليقه لارتفاع عدد الراغبين في المغادرة من ألفي مقاتل إلى عشرة آلاف شخص».
ونقلت وكالة إنترفاكس للأنباء عن سيرجي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي قوله إن عمليات الإجلاء تأجلت إلى اليوم، أو ربما غداً.
بدوره، حذّر وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرو من وجود «تشوش» في عملية إجلاء المحاصرين، ودعا إلى وجود مراقبين دوليين على الأرض لضمان الإجلاء بشكل آمن من دون التعرّض لهم. كما قالت الأمم المتحدة إنها «لا تشارك» في خطط الإجلاء، لكنها مستعدة لتقديم يد العون.
ويحزم الناس أمتعتهم ويحرقون مقتنيات شخصية مع استعدادهم للمغادرة خوفاً من عمليات النهب من النظام وميليشياته الطائفية عندما تستعيد السيطرة. وقال شاهد إن سكانا شُوهدوا وهم يحرقون أشياء لا يستطيعون أخذها معهم مثل الصور والكتب والملابس بل وحتى سيارة. وانطلق بعض الناجين بخطوات متثاقلة تحت المطر مروراً بجثث ملقاة في الطرقات.
وقبع آخرون بين بيوتهم في انتظار وصول الميليشيات اليهم وفي نظر أولئك وهؤلاء كان الخوف من الاعتقال أو التجنيد أو الإعدام بعد محاكمة صورية شعوراً جديداً يضاف إلى الرعب اليومي من القصف. وقال أبومالك الشمالي في حي سيف الدولة: «الناس تقول القوات عندها قوائم للأسر والمقاتلين وتسأل إذا كان لها أبناء مع الإرهابيين. وبعدها إما يتركون أو يطلق عليهم النار ويتركون ليموتوا».
وقال أب لخمسة أطفال يدعى أبوإبراهيم إنه يعرف أسرتين أعدمتهما الفصائل التي شكلت طليعة الهجوم. ونقلت وكالة الأناضول عن رئيس الهلال الأحمر التركي كريم كينيك قوله إن نحو 1000 شخص من حلب كان قد تم إجلاؤهم خلال الليل محتجزون عند نقطة تفتيش تابعة لمقاتلين إيرانيين، ولا يزالون ممنوعين من العبور».