العالم تجربة صوفية.. أم ثرثرة إنسانية؟

وجه آخر للطبيعة
للوهلة الأولى، يمكن أن ترى في منحوتات فرحان هذا التعامل الخاص مع الطبيعة من خلال الوحدات النباتية على وجه الخصوص.
تعامل مجرد ورمزي. بينما يختزل فرحان الوحدة النباتية لأبعادها الهندسية، بل يختزل الأبعاد ذاتها في صورتها الأبسط، يسمح للمعنى أن ينطلق، وكأنه يقتفي أثر المقولة الشهيرة «كلما ضاقت العبارة اتسعت الرؤية». لكن بعد إعادة تأمل أعمال خالد فرحان ستدهش أنك أمام طبيعة منزلية؛ فمنحوتاته وُضِعت في أصص لتنقل عالم الطبيعة إلى عالم مستأنس بيتي، إنها الطبيعة التي يمكن أن تختزنها كديكور منزلي وتظل محتفظة بقدر من الجمالية الفريدة.
الطبيعة في بيتك، بجوار فراشك بمعانيها الداعية إلى التأمل كبذرة حياة، أو بحيوتها المستدعاة لتكسر عالم الروتين اليومي والأشكال الرصينة التقليدية لديكورات منازلنا.
عين سينمائية
في الجهة المقابلة تماما، يهتم الفنان سيد الساري بالعالم الإنساني في تجربته اليومية، عين سيد الساري هي عين سينمائية بدرجة ما، فهي لا تكتفي بمشهد رئيسي يحتل «كادر اللوحة» فهناك دائما وحدات جانبية توشك أن تدخل إلى نطاق الحدث (أو الفيغر) الرئيس في اللوحة، وهو ما يمنح اللوحة بعدا آخر غير البعد المكاني، هو الزمان.
إن ثمة قصة هنا تحكى، وحتى عناوين لوحات سيد الساري توحي لك بذلك «الوجهة غير المرغوب فيها»، «أصدقاء السياسة»،العزلة المزيفة»، «الإعلام». إنها ليست تعليقات ولا رموز لمواقف، إنها تجسيد «قصصي» للمواقف ذاتها. وهذا ما يبرر استخدام سيد الساري لـ«الميكس ميديا» حيث يمكّنه من إسباغ أكثر من مستوى على اللوحة، كما يمكنه من الجمع بين المباشرة والشخوص واضحة المعالم وبين تلك التي تم الاشتغال عليها بأداء تعبيري. في لوحة «الإعلام» مثلا يلفتك المشد الخلفي أولا؛ إنه يحكي بداية القصة، من خلال الكاميرا التي تقتحم بيتك، وعزلتك وتجعلك تتضاءل أمامها، بينما في الواجهة شخوص ساهمة كأنما في عزلة مضاعفة.
بين لوحات محمد المهدي (الفارس الثالث في المعرض المشترك) وأعمال زميله سيد الساري وشيجة واضحة في التكنيك الفني. كلاهما يعتمد على مشهد مملوء ومحتشد بالتفاصيل، وإن كان، لدى المهدي، يحافظ على تقسيم ثنائي غير منتظم لعالمين. والشبه الثاني في التأثر بالسينما، وإن كان لدى المهدي جاء عبر الشخصية الشهيرة «بات مان». تجمع لوحات المهدي بين وجهين متناقضين للحياة، صورة البطل كما لدى خيال الطفل، والعالم الوحشي خارج مساحة هذا الخيال.
تبدو حجرة الطفل مخزنا للحب والشغف والحلم، ولكنها مصورة كما لو في «كادر» سينمائي يبتعد ليرينا ما يحيط بهذه الحجرة من عالم مظلم. في لوحة «لعبة الملوك تنقسم اللوحة إلى هذين العالمين: الأول حيث البهجة والحب، والآخر رقعة شطرنج (بالأبيض والأسود) حيث صراع السلطة والنفوذ، ذلك الصراع البارد المجرد في لونين استقطابيين. يحرص المهدي في خطوطه على استعداء رسومات الأطفال من خلال الإبقاء على الخط الخارجي وفوضى الشكل وزحامه، واختزال المعاني في شخوص أو وحدات لا يربط بينها إلا الخيال المفاجئ.
هو معرض يستحق التأمل بتجاربه المتنوعة، وكأنه يسألنا: هل العالم تجربة صوفية؟ أم هو جدل وحوار وثرثرة تشيع الدفء؟