قانون الوفرة
لكي نعي جيداً معنى ما أقصده من الوفرة نقرأ قوله تعالى في الحديث القدسي الصحيح / يا عبادي لو أن أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر.الحديث رواه مسلم . فهم هذا القانون جيدا نبينا محمد عليه الصلاة والسلام عندما لم يبق عنده شيء من متاع الدنيا وتوفى ودرعه مرهون عند يهودي وهو من سخر الله له ملكا يقول له إن شئت جعلت لك هذا الجبل ذهباً فأجاب بل أجوع يوما وأشبع يوما.
وفهمت هذا المفهوم عائشة رضي الله عنها عندما أعطاها أحد الخلفاء مئة ألف دينار وكانت صائمة فامرت جاريتها بجمع الفقراء ووزعتها كلها ولم تبق شيء لنفسها فقالت لها الجارية أنت صائمة ولم تبق شيء لنفسك لتأكلي . يعرف هذا القانون جيداً عثمان عندما جهّز جيشاً بكامله فقال له عليه الصلاة والسلام: ما ضرّ عثمان ما فعل بعد اليوم . لأن الماء إذا بلغ قليتين لم يحمل الخبث . فما بالكم بنهر جار كعثمان ذو النورين رضي الله عنه . وأبو بكر عندما كان ينفق أمواله بعتق العبيد الضعفاء فيقول له أبوه هلا أنفقتها على الأقوياء ليحموك فكان ابتغاء وجه ربه الأعلى هدفه ومبتغاه فوعده الله بالرضى . ولكن قليلي البصيرة من الناس الذين لم يستوعبوا جيداً، أن الله عز وجل لا ينقص من ملكه لو أعطى كل إنسان ما يحلم به ويتمناه ، فتجد بعضهم يحرص على عدم اخبار الناس عن خير يعلمه أو بلد جميل زاره حتى لا يفسدون عليه هذا البلد زعم أو ينقص عنه هذا الخير ، ويتعلل بعضهم بقول النبي عليه الاصلاة والسلام : استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان ، ويجعله منهج حياته ، ويبدا بعمل أعماله بالسر ويكتم تجارته وربحه ونجاحه او ما يأتيه من خير معللا ذلك بالكتمان لاتمام وقضاء الحوائج كما ورد بالحديث ، ونسي أنه مندوب بقوله تعالى وأما بنعمة ربك فحدّث بان يخبر عن نعم الله عليه ، وأرى أن المبالغة في كتمان الأمور فيه شيء من عدم اليقين بالوفرة التي أثبتها حديثنا القدسي : ( لو ان أولكم وآخركم …) فمن يخشى نفاد الخير بسبب علم الناس له أو بسبب حسدهم له فهو أحد إثنين ، إما أن يكون غير متيقن من ملك الله الذي لا ينقصه عطاء كل البشر والجن كما ورد في الحديث . أو انه غير متوكل على الله حق التوكل ويخشى الناس أكثر من يقينه بحفظ الله له . وفي الثانية يحدث له فعلا تاثير هذا الحسد لأن الله يوكله لظنه ، كما قال في الحديث القدسي : أنا عند ظن عبدي بي فليظن ما شاء . فالمسألة دقيقة وتحتاج لتمعن وفهم من جميع الزوايا حتى تتضح الرؤية الكاملة . وفي الحديث أن أبو عبيدة قدم بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انصرف، فتعرضوا له، فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين رآهم ثم قال: أظنكم سمعتم أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين؟ قالوا: أجل يا رسول الله، قال: فأبشروا وأمّلوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تُبْسَط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوا فيها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم » فعليك أيها المسلم أن تتيقن من أمرين : اولهما ان حفظ الله عز وجل أعظم من أعين الناس وحسدهم فهو سبحانه الحافظ الحفيظ الذي لا يؤوده حفظ السماوات والأرض . ثانيا : تتيقن من وفرة الخير والنعم ، فما دام المنعم والمعطي والرزاق هو الله فلا تخشى الفقر ولا تخشى نفاد مصدر الرزق ولا تخشى تنافس الناس على خيرات الدنيا . وهنا أريد أن انبه لكلمة أراها ليست شرعية ولا تصح أن تصدر عن مسلمين مؤمنين بان الرزاق هو الله سبحانه ، وهي ما يتناوله البعض عن النفط وأنه سينفد وأن مصدر الرزق الوحيد للكويت سينفد قريبا ، وهذا اظنه في أقل أحوال قائله يعتبرا جهلا ، فالله هو المنعم هو الرزاق هو المعطي سبحانه .صحيح أن علينا السعي وبذل السبب ولكن مع اليقين بان الخير كثير وان الله هو الرزاق المنعم المعطي ولو اجتمعت الانس والجن على أن يمنعوك عن شيئ قد كتبه الله لك لن يستطيعوا ولو اجتمعوا على أن يعطوك شيئا قد منعه الله عنك لم يستطيعوا . رفعت الأقلام وجفت الصحف . فتحدث أيها المسلم عن نعم الله عليك ودل الناس على الخير كل الخير خيري الدنيا والآخرة فلن يقل . وهنا ايضا أنبه إلى ان الخير المقصود في الحديث ليس فقط خير الآخرة كما يدعيه بعض الدعاة أو يقصر المعنى في الحديث عليه ( الدال على الخير كفاعله ) ولكنه الخير المطلق كل الخير ، فالدال على وظيفة تناسب أخاه المسلم يؤجر والدال على مكان جميل يحتاجه أخوه المسلم يؤجر والدال على مشروع أو شخص يستفيد منه المسلمين يؤجر وهكذا . فتحدث عن النعم فهو جزء من شكرها ، ودل على الخير كل الخير فلن ينقص مهما أخذ الناس بل والجن منه ، فالمنعم الرزاق هو الله والحافظ الحفيظ هو سبحانه الذي لا يؤوده حفظ السماوات والأرض جل جلاله وتقدست أسماؤه.
يحيى الدخيل ـ كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية
Twitter: @Aldakheel7