الجراح: إنشاء تكتّل مصرفي عربي ضرورة لمواجهة البنوك العالمية… والحدّ من تحكمها

360 مليار دولار خسائر دول الخليج جراء التحديات السياسية والأمنية وانخفاض أسعار النفط
خضوع المؤسسات المالية العربية للنظام المالي الدولي يعرّضها لمخاطر التجميد
أصول القطاع المصرفي في العالم العربي تفوق 3.3 تريليون دولار
دعا رئيس مجلس إدارة بنك الكويت الدولي، رئيس مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية، الشيخ محمد الجراح الصباح، إلى ضرورة التفكير جدياً في تكوين تكتّل مصرفي عربي لمواجهة ومنع قيام البنوك العالمية بالتحّكم بالمصارف أو المؤسسات المالية العربية، لتمكين هذه المصارف من توظيف نسبة من الاستثمارات العربية في الخارج داخل الدول العربية، ما سيؤدي إلى تأسيس مشروعات جديدة، وخلق فرص عمل تساهم في تنمية المنطقة العربية ككل، وكذلك الحدّ من الإرهاب.
واعتبر الجراح أن هذه الرؤية تنبع من الإيمان ليس فقط بضرورة التكامل والتعاون المصرفي فحسب، بل بجدواه أيضاً في حشد الكفاءات والطاقات، وترشيد الموارد، وتعزيز القدرات، باعتباره شرطا وأداة تثبيت دعائم الاستقرار والسلام، وتحقيق التنمية المتوازنة، الشاملة والمستدامة.
وقد جاء ذلك خلال الكلمة التي ألقاها الشيخ الجراح مستهلاً بها فعاليات حفل افتتاح المؤتمر المصرفي العربي السنوي لعام 2016، الذي نظمه اتحاد المصارف العربية في بيروت أخيراً، تحت شعار «اللوبي العربي الدولي – لتعـاون مصرفـي أفضـل»، وذلك برعاية رئيس الحكومة تمام سلام، ممثلاً بنائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع سمير مقبل، وبالتعاون مع مصرف لبنان المركزي، وجمعية مصارف لبنان، والاتحاد الدولي للمصرفيين العرب.
وثمن الجراح دور اتحاد المصارف العربية الذي يجول في عواصم العالم للتعريف بقوة ونزاهة المصارف العربية، لرفع سيف العقوبات الاقتصادية عن بعض الدول العربية، ولتكرّيس قدرة هذا القطاع بما لديه من إمكانيات وعراقة، على تحقيق الكثير من الإنجازات على صعيد التنمية الاقتصادية والاجتماعية، داعياً المصارف العربية إلى التكاتف والتلاقي، ووضع كل إمكاناتهم واستثماراتهم في المنطقة العربية لتحقيق صيغة التكامل التي تعبّر عن مفهوم المشاركة والتفاعل، وتتأسس على مبدأي النقدية والتربح، وتحترم استقلالية كل طرف، بعيداً عن أيديولوجيات الهيمنة والتبعية والانصهار والذوبان.
السلام… مسؤولية
وفي حين أعرب الجراح عن قلقه إزاء ما تشهده المنطقة العربية من حروب ونزاعات، وتشريد، ولجوء، وإرهاب، وصراعات أخذت مختلف الأشكال، ودمّرت المدن والبنى التحتية، وأطاحت بالاقتصاديات العربية، وأدخلت المنطقة العربية في المجهول بحثاً عن السلام والاستقرار، اعتبر أن السلام ليس إنجازاً فحسب، ولكنه مسؤولية تقع على عاتق الحكومات والقوى السياسية والاقتصادية ومن بينها القطاع المصرفي العربي الذي يستطيع أن يساهم في صنع هذا السلام من خلال إعادة الإعمار والبناء، وتحريك عجلة الاقتصاد والاستثمارات، بما يمتلكه من إمكانات مالية وبشرية كبيرة، وبما يحظى به من ثقة دولية مميّزة، نظراً لحرصه على تطبيق المعايير الدولية والالتزام بها، فضلاً عن مواكبته الدائمة لكافة التطورات المالية والتكنولوجية، وتعزيز موارده البشرية بالكفاءات القادرة على مواصلة مسيرة التحديث والتطوير.
كما أشار إلى أن البيانات المتوافرة أظهرت أن أصول القطاع المصرفي العربية تخطت عتبة 3.3 تريليون دولار، وأن الودائع المجمعة بلغت 2.06 تريليون دولار، بينما تجاوزت القروض 1.7 تريليون دولار، لافتاً إلى أن الأصول المجمعة للمؤسسات المصرفية العربية التي يبلغ عددها نحو 500 مؤسسة، تقدّر بنحو 109 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وتفوق حجم الاقتصاد العربي.
وقال الجراح «لذلك أراد اتحاد المصارف العربية أن يبحث في هذا المؤتمر إمكانات إنشاء (لوبي مصرفي عربي دولي – لأداء مصرفي أفضل)، انطلاقاً من حرصه على مواصلة السعي لتعزيز الاستقرار المالي والتكامل الاقتصادي، في ظلّ التحديات السياسية والأمنية التي يشهدها العالم، ومع انخفاض أسعار النفط إلى مستويات تاريخية، وما جره ذلك من خسائر لدول الخليج النفطية قدرت بأكثر من 360 مليار دولار، ناهيك عن التأثيرات السلبية على النمو الاقتصادي للمنطقة العربية ككل».
وحذّر من مغبة هجرة وهروب رؤوس الأموال المحلية التي كان من الممكن أن تتحوّل إلى مدخرات إلى الخارج، فضلاً عن التبعية الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية التي تخلفها وتفاقمها الديون الخارجية للدول المدينة في حالات إخضاعها للقرارات الاقتصادية والسياسية التي تتوافق مع مصالح الدول الدائنة، وما يسفر عنها من فرض نوع من الرقابة والتدخلات في الشؤون الداخلية، بشكل أو بآخر، مشيراً إلى أن الخضوع للنظام المالي الدولي من خلال اندماج المؤسسات المالية العربية بالنظام الدولي، يعرّضها لمخاطر التجميد من قبل الحكومات الغربية، وهذا سبق وحدث لعدة دول عربية.
شفافية وموضوعية
وجدد الجراح تحيته للعاصمة اللبنانية بيروت التي لم تبخل يوماً باحتضان ضيوفها الكرام من عرب وأجانب، والمستعدة دوماً للعب دورها الرائد كمكان رحِب وبيئة خصبة لتبادل الحوار في كافة الظروف، متمنياً أن يوافق المشاركون من خلال محاضراتهم ونقاشاتهم، في مقاربة موضوع المؤتمر بكل شفافية وموضوعية، لنكون بذلك قد وضعنا حجر الأساس للوبي مصرفي عربي، يستثمر كل طاقاته في بناء مستقبل أفضل لاقتصاد الدول العربية وأجيالها القادمة، معلناً عن عزم اتحاد المصارف العربية تنظيم مؤتمره المقبل تحت عنوان «الاستثمار في فلسطين» خلال الأسبوع الأول من شهر ديسمبر من العام الحالي 2016 في العاصمة الأردنية، وذلك إيماناً منه بضرورة حشد كل القوى المصرفية العربية لتعزيز الاقتصاد الفلسطيني وقطاعه المصرفي.
أوراق العمل
وكان المؤتمر الذي شاركت فيه مجموعة مختارة ومتميزة من ذوي الكفاءة والخبرة والاختصاص، وتخلله تكريم بعض الشخصيات الاقتصادية الفاعلة، قد ناقش على مدى يومين عدة محاور تناولت عدداً من القضايا الاقتصادية الحساسة والمهمة ذات الصلة بعنوان المؤتمر بدءاً «بانعكاسات التطورات السياسية العربية الدولية على العمل المصرفي» لجهة إقرار القوانين والتشريعات لتحقيق أهداف مالية وسياسية، وتأثير الإرهاب وإجراءات التهرب الضريبي وعمليات غسل الأموال على العمل المصرفي، مروراً بدواعي إنشاء تكتل مصرفي عربي وكيفية تعزيز الثقة الدولية به، ومبادرات اتحاد المصارف العربية في هذا الخصوص، وصولاً إلى دور القطاع المصرفي العربي في تمويل قطاعات الاقتصاد والتمويل المصرفي في ظل إنفاذ القانون، واعتماد سياسات تمويلية تركز على القطاعات الاقتصادية، وانتهاءً بتأثير التشريعات الدولية على السياسات التمويلية للمصارف العربية وانعكاسات التشريعات على الشمول المالي.