ملحمة تركيا

السادس عشر من يوليو كان تاريخ انتصاراً للديموقراطية والعقل والحقوق المكتسبة، عندما حاول القليل من المغامرين تنفيذ مغامرتهم غير المحسوبة بحق بلدهم وشعبهم، ممتطين صهوة دبابتهم وعرباتهم المدرعة أملًا في اقتلاع مدنية الدولة وأملًا في اقتلاع تركيا الحديثة التي نفضت غبار التدخل العسكري المقيت في الحياة السياسية، ظنًا منهم أن الشعب سيؤازرهم ويؤيدهم في حراكهم هذا أو على الأقل سيسكت ويغض الطرف عنهم.
ولكن جاء الرد صاعقاً من الشعب التركي الذي وجه للانقلابيين صفعةً قوية ونزل بكل أطيافه وميوله نصرة لحقه في الحياة الحرة ونصرةً لحقوقه الديموقراطية، أول من نزل للشارع كانت الأحزاب المعارضة حفاظاً على حقوقهم المكتسبة، هذه المعارضة التي تعي معنى وأهمية المعارضة الإيجابية التي تصب في مصلحة البلد، ليست المعارضة لمجرد المعارضة وليس في ركوب أي موجة تساهم في سيطرة المعارضة على الحكم.
يتضح لنا جلياً أن الشعب التركي أصبح شعباً واعياً مثقفاً ويعي ما تعنيه الديموقراطية والحقوق المكتسبة للشعوب، أصبح يعي أن مكان دخول أي رئيس إلى القصر الرئاسي ومكان خروجه أيضاً هو الصندوق الانتخابي وليس ظهر الدبابة، اتضح أن الشعب التركي شعب لا تنطلي عليه الحيل والشعارات الرنّانة مثل (الانقلاب جاء لتخليص تركيا، الانقلاب للحفاظ على الديموقراطية وحقوق الإنسان، إنقاذ علمانية تركيا .. إلى آخره).
أغلب الانقلابيين كذلك لم يرفعوا سلاحهم في وجه المواطن، رأينا صوراً كثيرة لمواطنين عزّل يجردون الجنود المنقلبين من أسلحتهم بدون أي مقاومة من الجنود، رأينا الشرطة التركية وهي تعتقل ضباط الجيش التركي، هذه العقيدة العسكرية التي تربى عليها الجندي بأن سلاح الجيش لا يرفع في وجه المواطنين.
من دبر وخطط وساهم في هذا الانقلاب كان يظن أن الشعب التركي هو مثل الشعب العربي، الشعوب العربية التي تصدق الشعارات الكاذبة الرنانة وترقص عليها، الشعوب التي تعشق في الغالب أن تُقهر وتُستعبد، وهذا هو الفرق الرئيس بين تركيا والعرب، تركيا تستثمر في تعليم وتثقيف شعبها وتطوير فكره وتنمية عقله، بينما العرب يتناحرون فيما بينهم ويكفرون بعضهم بل وربما يتقلون بعضهم اختلافًا هل يدخلون دورة المياه بالرجل اليمين أم الشمال.
لذلك كان العلمانيون والمعارضون أول من دافع عن أردوغان الإسلامي.
م. أحمد اشريدة الرويلي – كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية