سياسة واشنطن.. بين الإخوان وإيران
لم تكن أنباء لقاء الأميركيين مع ممثلين عن “الجبهة الإسلامية” التي تضم فصائل مقاتلين معارضين في سوريا، باسطنبول مفاجئة تماما، ولا حتى تزامن تلك الأنباء مع ما بدا من تعثر لسير الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى ـ فكلها مترابطة بقدر ما.
تحالف المقاتلين الإسلاميين المنضوي تحت ما تسمى “الجبهة الإسلامية” يمكن وصفه ـ مع التحفظ طبعا ـ بأنه الذراع العسكري للإخوان (المسلمين) في سوريا. لذا هو يلقى دعم قوى إقليمية ما زالت تكافح من أجل بث الروح في تنظيم الإخوان في المنطقة بعد انتكاسته في مصر.
ولا شك أن فتح قنوات أميركية لا يعود فقط لما قد يعتقد من نفوذ لتلك القوى الإقليمية في التأثير على مسار الاستراتيجية الأميركية في المنطقة بقدر ما يتعلق بتكتيكات استراتيجية “فك الارتباط” الأميركية مع المنطقة والعالم.
حتى أن التقارب مع إيران لم يكن سوى خطوة تكتيكية في هذا السياق، ولأن أي اتفاق شامل برعاية أميركية في المنطقة يتضمن تسوية ما في سوريا، فليس الربط في التوجه الأميركي نحو الإخوان وإيران بمستغرب، بل هو منطقي تماما.
بغض النظر عن مواقف الأطراف الإقليمية من مشاكل المنطقة، فإن الأميركيين يرون قوتين أساسيتين يجب التعامل معهما في إطار تصور واشنطن لترك المنطقة لنظرية زبيغنيو بريجنسكي الشهيرة: “الصراع الممتد المنخفض الحدة”.
وإذا كانت إيران رسخت، منذ ثورتها الإسلامية نهاية السبعينيات، دورها راعية لطائفة من الإسلام السياسي فإن تنازع الريادة على الطائفة الأخرى لم يحسم إلا مؤخرا باعتقاد الأميركيين أن الإخوان هم الأفضل لهذا الدور.
ولم تكن محاولة الإخوان أثناء فترة حكمهم في مصر للتقارب مع إيران سوى برهان من جانبهم على أنهم “مرنون” بما يكفي لتنفيذ ما يسهم في خطوات استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة.
لكن تلك الخطوات ما كان لها أن تستمر، حتى لو لم يخسر الإخوان حكم مصر بانتفاضة ضدهم، لأن واشنطن غير مهتمة باتفاقات تعزز كتلا إقليمية بقدر ما تحرص على صراع مضبوط يسمح لها بحماية مصالحها من خلال ضعف القوى المحلية.
طبعا أكثر من يتعامل مع السياسة الأميركية ببراغماتية شديدة هم الإيرانيون، لذا لا يمكن توقع مستقبل التقارب الأميركي مع الإخوان في سوريا، وستعمل إيران بالتأكيد على ألا تكون سوريا ما بعد الأسد المقابل للعراق ما بعد صدام: نفوذ إيراني في العراق وحكم إخواني في سوريا وصراع ممتد منخفض الحدة في الهلال الخصيب.
لكن الأهداف شيء وتحقيقها على أرض الواقع شيء آخر يعتمد أساسا على أوراق القوة لدى أطراف الصفقات الأخيرة.