الحشد الشعبي.. للمساومة أم للدفاع؟
تشكل ميليشيات الحشد الشعبي في العراق، حالة جدلية، أصبحت مع مرور الوقت أحد عناوين الأزمة السياسية والفوضى في البلاد، إذ استخدمت هذه الميليشيات قوة الأمر الواقع وانتشارها ميدانيا في مساومة الحكومة العراقية من أجل زيادة المخصصات المالية للحشد.
وأجبرت ميليشيات الحشد من خلال القوى السياسية التي ترعاها البرلمان على زيادة التمويل لنحو 2.6 مليار دولار تشكل 3.6% من إجمالي النفقات الحكومية في ميزانية 2016، حيث كانت تبلغ حوالي مليار دولار تقريبا في عام 2015.
وبالرغم من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يعيشها العراق، استقطعت الحكومة 3 بالمائة من إجمالي الرواتب الحكومية بموازنة 2016، وأعادت نقل 60 بالمائة منها إلى هيئة الحشد الشعبي، وفقا للمركز الاستراتيجي للدراسات الاستراتيجية في القاهرة.
كما نقلت 90 مليون دولار من مخصصات دائرة نزع السلاح إلى هيئة الحشد الشعبي.
وتم نقل 3% من مجموع المستلزمات الخدمية والسلعية وصيانة الموجودات والنفقات الرأسمالية إلى الهيئة ووزارة الهجرة والمهجرين مناصفة.
وبعد انهيار القوات العراقية أمام تنظيم داعش في الموصل والأنبار، صدرت الأوامر من المرجعية العليا لتكوين قوات شعبية لحماية العاصمة ووقف زحف داعش، لكن في المقابل، فقد زحفت ميليشيات الحشد الشعبي على الميزانية العراقية مؤثرا على المخصصات المالية للجيش الذي يشكو نقص التمويل والعتاد والسلاح.
ويتقاضى كل فرد في الحشد الشعبي 500 دولار أميركي شهريًا، تدفعها الحكومة العراقية. وبالإضافة إلى ذلك تتمتع تلك الميليشيات بالدعم من القطاع الخاص، فضلا عن الدعم المقدم من طهران.
إيران تدعم تمويل الحشد الشعبي
طائفية وفوضى سياسية
والمثير للجدل أن هذه الميليشيات تمثل لونا طائفيا واحدا وتتبع أحزاب موالية لإيران، وهو ما يجعلها ميليشيات عقائدية وسياسية وليست “وطنية” مثل مؤسسة الجيش.
ويعني ذلك أن التمويل الحكومي لميليشيات لا تمثل الأطياف السياسية والاجتماعية كافة، يعمق المشاكل السياسية أكثر.
وظهر ذلك جليا عندما نزلت الميليشيات التي توالي نائب رئيس الجمهورية السابق نوري المالكي إلى الشارع في أكتوبر الماضي للتظاهر بالسلاح ضد رئيس الحكومة حيدر العبادي من أجل زيادة المخصصات المالية، لتصبح هذه المجموعات المسلحة ورقة في الصراع السياسي بدلا من قوات لمكافحة الإرهاب.
وبحسب المتابعين، فإن المالكي، الذي لا يزال اسمه مسطرا في ملفات الفساد، لا يوفر فرصة لإثبات أنه يملك من الأوراق ما يهدد أمن العراق، تارة بالتذكير بعلاقاته مع إيران، وتارة أخرى باستعراض قوى من خلال الحشد الشعبي.
والفوضى الميدانية لم تكن بمعزل عن سلوك الميليشيات، فعندما تمكن هذه العناصر من استعادة بلدة تكريت ذات الأغلبية السنية من داعش، قاموا بحرق بيوت المواطنين، الأمر الذي كان ينذر باندلاع حرب طائفية مثل تلك التي اندلعت عام 2007 وسقط فيها ضحايا أكثر ممن سقطوا إبان الغزو الأميركي عام 2003.
وتمثل المعارك في طوزخورماتو وكركوك ومخمور وجها آخر للفوضى، فالحشد المدعوم إيرانيا ينخرط في مواجهات ميدانية مع البشمركة الكردية، في نزاع على مناطق مليئة بالنفط شمالي العراق، ما أثار اتهامات له بالعمل على بسط النفوذ الإيراني في هذه المناطق.