«موديز»: تلكؤ الإصلاح يهدد تصنيف الكويت
تصنيف الكويت السيادي مهدد بالخفض مع نظرة مستقبلية سلبية، وفقاً لوكالة موديز العالمية للتصنيف الائتماني، التي حددت مهلة شهرين لذلك، مع الإشارة إلى جملة مبررات أبرزها تعرض الميزانية إلى تدهور أسرع مما هي عليه اليوم، بفعل توقعات بقاء أسعار النفط منخفضة عدة سنوات.
وأكد تقرير الوكالة أن ما اتخذ من إجراءات محدود حتى الآن، ومن غير الواضح بشكل جلي كفاية وفعالية الإصلاحات الموعودة، علماً أن المصدات المالية تتآكل بالسحب من الاحتياطي العام لسد عجز الموازنة، كما تتراجع احتياطيات النقد الأجنبي في البنك المركزي.
وتوقعت الوكالة ارتفاع الدين الحكومي بشكل مطرد، إذا لم تنخفض المصروفات وترتفع الإيرادات غير الضريبية، محذرة من ضغوط على سعر صرف الدينار، وإمكان حدوث أزمة مصرفية.
أعلنت وكالة (موديز) العالمية للتصنيف الائتماني وضع التصنيف السيادي لدولة الكويت الحالي (أيه.أيه.2) مع نظرة مستقبلية مستقرة تحت المراجعة للنظر في تخفيضه.
وقالت الوكالة في بيان صحافي نشرته على موقعها الإلكتروني إنها ستقوم خلال فترة المراجعة بتقييم مدى تأثير حدوث المزيد من الانخفاض الحاد في أسعار النفط (التي توقعت الوكالة أن تظل عند مستويات منخفضة على مدى عدة سنوات) على الأداء الاقتصادي وميزانية الحكومة في الكويت خلال السنوات المقبلة.
وأضافت أن مراجعة التصنيف ستتيح لها تحديد مدى إمكانية أن تعمل قوة الوضع الاقتصادي والمالي لدولة الكويت على تحصينها والحيلولة دون اتخاذها إجراء بشأن التصنيف ليعكس أثر صدمة أسعار النفط.
وعن مبررات إجراء مراجعة لتخفيض التصنيف الائتماني قالت الوكالة إن «الكويت تعتمد بشكل كبير على الموارد النفطية في دفع عجلة النمو الاقتصادي وتمويل الإنفاق الحكومي».
وذكرت أن الصادرات من النفط والغاز مثلت نحو 90 في المئة من إجمالي الصادرات السلعية ونحو 63 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي عام 2014، كما مثلت إيرادات هذا القطاع ما نسبته نحو 77 في المئة من إجمالي الإيرادات الحكومية (تشمل الدخل عن الاستثمارات)».
وبينت أنه خلال الفترة بين شهري سبتمبر 2014 وسبتمبر 2015 انخفضت أسعار النفط بما يقارب النصف ومنذ ذلك الحين شهدت أسعار النفط مزيدا من الانخفاض وبنسبة 40 في المئة.
وأشارت «موديز» إلى قيامها أخيرا بمراجعة تقديراتها بشأن أسعار النفط وتوقعت أن يبلغ متوسط سعر خام برنت 33 دولارا للبرميل عام 2016 ونحو 38 دولارا للبرميل عام 2017 ثم يتجه نحو الارتفاع ليصل إلى نحو 48 دولارا للبرميل عام 2019.
وذكرت أن الصدمة الهيكلية التي شهدتها أسواق النفط تضعف الميزانية الحكومية والأداء الاقتصادي للكويت وبالتالي وضعها الائتماني، مضيفة وفقا لتقديراتها للفترة من عام 2013 الى 2015 أن الإيرادات الحكومية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي تراجعت بنحو 17.5 نقطة مئوية. وقدرت الوكالة أن الميزانية العامة للكويت سجلت عجزاً بلغت نسبته 1.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2015، مقارنة بفائض بلغت نسبته نحو 35 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2013.
وأشارت تقديرات وكالة موديز عن الفترة ذاتها إلى أن فائض الحساب الجاري للكويت انخفض إلى ما نسبته نحو 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بما نسبته نحو 40 في المئة، بينما تراجع الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بما يزيد على نحو 30 في المئة خلال الفترة نفسها.
وذكرت أنه بافتراض محدودية رد فعل السياسات الحكومية تجاه تلك المتغيرات فإن انخفاض أسعار النفط على مدى السنوات المقبلة من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من الانخفاض في الإيرادات الحكومية بنحو 16 في المئة عام 2016 ثم تشهد بعض التحسن التدريجي بعد ذلك التاريخ ليصل إجمالي الإيرادات الحكومية (بالقيم الاسمية) في نهاية عام 2019 إلى مستوياته المحققة عام 2009.
وأضافت أنه مع افتراض بلوغ متوسط معدل النمو السنوي للانفاق الحكومي نحو 4.5 في المئة سنوياً من عام 2016 الى 2019، فإن ذلك سيسفر عن تحقيق عجز في الميزانية العامة يبلغ متوسطه نحو 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال تلك الفترة.
ولفتت «موديز» إلى أنه بافتراض تمويل ذلك العجز من خلال تغطية ما نسبته 80 في المئة منه عن طريق إصدار أدوات دين وما نسبته 20 في المئة من خلال الاحتياطيات الحكومية، فإن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع رصيد الدين العام للكويت ليصل إلى نحو 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2019 مقارنة بما نسبته نحو 7.6 في المئة في عام 2014، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى إجراء تغيير على تقييم «موديز» للقوة المالية الحكومية للكويت إلى «مرتفع جداً» بدلا من «مرتفع جداً موجب».
واعتبرت أنه في مواجهة تلك الآثار السلبية تحتفظ الكويت بمصدات مالية ضخمة، حيث تشير تقديرات الوكالة إلى أن إجمالي الأصول الحكومية المدارة من قبل الهيئة العامة للاستثمار يبلغ «نحو 580 مليار دولار أميركي (ما يعادل خمسة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي المقدر لعام 2015)، وبلغت قيمة الاحتياطيات من النقد الأجنبي لدى بنك الكويت المركزي 25.7 مليار دولار أميركي في نهاية 2015».
وأشارت إلى أن السلطات النقدية في الكويت تنتهج نظام سعر صرف أكثر مرونة مقارنة بنظيراتها في بقية دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يتم ربط الدينار الكويتي بسلة غير معلنة من العملات بدلاً من الربط بالدولار الأميركي.وذكرت الوكالة أن سعر صرف الدينار الكويتي انخفض خلال عام 2015 بما نسبته 3.7 في المئة مقابل الدولار الأميركي، لكنه اتجه نحو الارتفاع مجددا بنسبة 1.2 في المئة منذ بداية العام الحالي، مما جعل الأثر المترتب على انخفاض سعر صرف الدينار الكويتي محدودا للغاية بالنسبة للايرادات النفطية الحكومية المقومة بالعملة المحلية.
وقالت وكالة موديز إن الاحتياطيات من النقد الأجنبي لدى بنك الكويت المركزي انخفضت لتصل إلى 25.7 مليار دولار أميركي في شهر ديسمبر 2015 مقابل ما قيمته 29.3 مليار دولار في نهاية العام الذي سبقه، مما يعكس التراجع النسبي في المصدات المالية لدولة الكويت تجاه الصدمات المستقبلية.
وذكرت أن الحكومة الكويتية شرعت في تبني عدد محدود من التدابير والإجراءات الهادفة إلى احتواء أثر انخفاض أسعار النفط على الأداء الاقتصادي وميزانية الحكومة، منها إجراء إصلاح جزئي على الدعم المقدم لاستهلاك الوقود في بداية عام 2015، وكذلك تخفيض مخصصات نفقات السفر في المؤسسات الحكومية ونفقات العلاج في الخارج للمواطنين الكويتيين.
وبينت «موديز» أن الحكومة الكويتية أعلنت عزمها اتخاذ إصلاحات مالية أوسع نطاقا، بحيث تشتمل على مزيد من ترشيد الدعم وترتيب أولويات تنفيذ المشروعات الرأسمالية وإجراء إصلاحات من شأنها تعزيز الإيرادات الضريبية، مشيرة إلى أن من غير الواضح بشكل جلي كفاية فعالية تلك الإصلاحات.
وأوضحت «موديز» أن مراجعة التصنيف الائتماني السيادي للكويت من شأنه أن يتيح الفرصة لها لتقييم مدى مصداقية تلك الخطط الإصلاحية وقابليتها للاستمرار، وكذلك قدرة الحكومة على تحجيم أثر تلك المتغيرات السلبية على وضعها الائتماني.
وقالت إنها سوف تتجه إلى تقييم كل من وضوح ومجال وأهداف خطط الحكومة، مقارنة بحجم التحدي والمهمة الموكلة إليها والزمن المطلوب لجني ثمار تلك الخطط ومدى إمكانية الاعتماد عليها للمحافظة على قوة الجدارة الائتمانية للكويت.
وبينت الوكالة انها في أثناء فترة المراجعة ستقوم بتقييم آفاق الخطط متوسطة الأجل التي تنتهجها دولة الكويت بغرض تنويع النشاط الاقتصادي واستشراف مدى تأثيرها في تقييم تصنيف الوكالة للقوة الاقتصادية للكويت، والتي يتم تصنيفها حاليا عند مرتبة «مرتفعة جدا سالب».
وإضافة إلى ما سبق أشارت إلى أنها ستقوم بتقييم مدى قدرة المصدات المالية القوية الاستثنائية للكويت (بما في ذلك صندوق الثروة السيادية) على تحجيم الآثار السلبية الناتجة عن صدمة انخفاض أسعار النفط على النمو الاقتصادي والموارد المالية للدولة، متوقعة اختتام مراجعتها التصنيف الائتماني السيادي لدولة الكويت في غضون شهرين.
وعن الاعتبارت التي قد تؤدي إلى تخفيض التصنيف الائتماني، أفادت «موديز» بأنها ستتخذ إجراء سلبياً بشأن التصنيف الائتماني السيادي لدولة الكويت في حال أسفرت المراجعة التي ستجريها عن أن صدمة انخفاض أسعار النفط يمكن أن تفضي إلى تدهور أسرع مما هو عليه الآن في وضع الميزانية الحكومية، وذلك من خلال الارتفاع المطرد في الدين الحكومي وحدوث تآكل متزايد في المصدات المالية مع الأخذ بعين الاعتبار السياسات والتدابير التي تتخذها الحكومة الكويتية بهذا الصدد.
وأضافت أن ظهور أي إشارات مؤثرة على وضع ميزان المدفوعات أو إمكانية حدوث أزمة مصرفية سيكون من شأنه إضافة المزيد من الضغوط لتخفيض التصنيف، إذ قد تنطوي تلك الإشارات على المزيد من الانخفاض في أسعار النفط واستمرار التدفقات الرأسمالية الخارجة وظهور ضغوط على سعر الصرف والأصول من العملات الأجنبية أو تزايد الضغوط على أو دعم النظام المصرفي.
وأشارت إلى أن التدهور في البيئة السياسية المحلية أو الإقليمية المؤدي إلى تعثر إمدادات النفط والاستثمارات الأجنبية في الاقتصاد، يعتبر أحد العوامل السلبية التي تؤثر سلباً في التصنيف الائتماني.
وأوضحت أنه اعتمادا على درجة تأثير تلك الاعتبارات قد تتجه إلى تأكيد التصنيف الائتماني السيادي الحالي لدولة الكويت عند مرتبة (أيه.أيه 2) مع تغيير النظرة المستقبلية إلى سالبة (بدلاً من مستقرة) لتعكس تزايد الضغوط.
وذكرت أنه قد يتم تخفيض التصنيف الائتماني السيادي لدولة الكويت إذا ما خلصت إلى أن السياسات والتدابير المتخذة من جانب الحكومة غير كافية للحيلولة دون حدوث تدهور جوهري في القوة الاقتصادية والمالية للكويت.
أما بالنسبة إلى اعتبارت تثبيت التصنيف عند مستواه الحالي، فذكرت «موديز» أنها يمكن أن تبقي وتؤكد تصنيفها الائتماني السيادي لدولة الكويت عند المرتبة الحالية (أيه.أيه 2) مع نظرة مستقبلية مستقرة في حال خلصت مراجعتها إلى أن العوامل الجوهرية للقوة الائتمانية للدولة صلبة وكافية لتحييد الآثار السلبية الناتجة عن صدمة انخفاض أسعار النفط، بما في ذلك المصدات المالية المتاحة والداعمة للسلطات الحكومية خلال سنوات انخفاض أسعار النفط مقترنة بالسياسات والتدابير الموجهة إلى تعزيز مرونة وتنويع النشاط الاقتصادي وتحسين وضع الميزانية الحكومية.
وذكرت «موديز» أن لجنة التصنيف لديها ناقشت التصنيف الائتماني السيادي لدولة الكويت وأشارت إلى أنه لم تحدث تغيرات جوهرية في كل من المؤشرات الاقتصادية الأساسية، بما في ذلك القوة الاقتصادية وإطار القوة المؤسساتية والقوة المالية الحكومية بما في ذلك وضع المديونية ودرجة الحساسية تجاه مخاطر الأحداث.