قلم الإرادة

المساواة لا تعني العدل !

   هكذا كنتُ أعتقد في الماضي , المساواة التي كانت ستزيد من وطائد المجتمع وتشدّ في بنائهِ ..

 

رُبما تكون لُغة الأرقام هي السبيلُ الوحيّد لنحتكم فيمَ نختلفُ فيه في أمور لا نملكُ خلفيات كبيرة عنها .. 

 

أعتقد بأن هذا الإحتكام لم يعدْ كما كان في السابق بل وقد آن الأوان لتفنيّده بأخذ ما يُفيد وترك مالا يُفيد .. 

 

فعندما تتحدث صناديق المقارانات بين ملك كرة القدم بيليه والماكينة الألمانية جيرد مولر ( الطوربيد ) سيتحدثُ لنا جليّاً 

 

بأننا لا نتحدث عن لاعبين عاديين وإنما شخصيتان لهما أكثر من 2600 هدف في عصرّهما الكرويّ .. 

 

الألمانييون يرون بأن جيرد مولر أكثر عظمة من الملك بيليه فقط لإنه يملك ما يفوق 1400 هدف بينما الملك بيليه 

 

لا يملك أكثر من 1281 هدفاً في مسيرته .. 

 

في الحقيقة إن إحتكمنا للأرقام التهديفية فبُكلِ تأكيد جيرد مولر هو الهداف الأول على صعيد الأندية والمنتخبات 

 

حتى هذه اللحظة التي أخطُ بها هذه الكلماتِ .. 

 

لكن إن عُدنا إلى لُغة الواقع والحقيقة سنجدُ جيرد مولر يتميز بهذه الجزئية لكنه بعيدٌ بمراحل طويلة عن الملك بيليه .. 

 

سأفندُ ما أتيت به تدريجياً .. 

 

الملك بيليه إنطلقت مسيرته في نهاية الخمسينات وإنتهت في الثلث الأخير من السبعينات ( مع مراعاة فترة إعتزاله )

 

بينما جيرد مولر إنطلقت مسيرته في بداية الستينات وإنتهت في بداية الثمانينات ,

 

أيّ أن المقارنة بين النجمين جائزة من ناحية الفترة الزمنية التي شاركا فيها ..

 

بيليه فرّض نفسه كنجم وكإسم عظيم في أولى بطولات العالم بفضل أهدافه الحاسمه

 

وتحقيقه لبطولة 58 وأتبعها ببطولتي 62 ثم بطولة التاريخ 1970 ..

 

بينما جيرد مولر إحتاج ستة أعوام كاملة ليحقق أول لقب قاري له في 72 وعامان آخران لتحقيق موندياله الأول 74 ..

 

وإعتزل المضمار الدولي .. 

 

إن تحدثنا عن بطولات الملك مع نادي سانتوس فيؤسفنا أن نتسبب بصدمة للقُراء بأنها تجاوزت حاجز 30 بطولة 

 

في مختلف البطولات القارية والمحلية والعالمية , بينما بطولات الطوربيد لم تتجاوز الرقم 14 في جميع الميادين .. 

 

مع العلم بأن بايرن ميونيخ الألماني كان أقوى أندية القارة العجوز في السبعينات وكذلك كان الأمر في عصر بيليه سانتوس

 

أما إذا ما أضفنا بطولات المُنتخب الأول فسوف تزيد الحصيلة للملكِ بيليه ويخرجُ الطوربيد جيرد مولر بكل سهولة , 

 

بايرن ميونيخ حقق إنجازات عظيمة حتى بعد رحيل جيرد مولر عن عالم المُستديرة .. 

 

بينما سانتوس البرازيلي لم يكنْ شيئاً قبل ظهور بيليه .. 

 

ولم يستطعْ أن يكون بنصف عظمته ما بعد رحيل الملك عنه .. 

 

إذا أخذنا إتجاهاً آخراً وتحدثنا عن وتيرتهما .. لن تتغير النتيجة كثيراً ..

 

فالمستوى الفردي والجماعي والمهاري للملك أكبر بكثير جداً من مستوى جيرد مولر ماكينة الأهداف ..

 

الألعاب الهوائية قد يتساوييان فيها لإن كُلاً منهما يملكُ رأساً ذهبياً مع تميز الإرتقاء لصالح بيليه , أما إذا إتجهنا لعوامل السرعة وردود الفعل 

 

سنجدُ الغلبة للملكِ , وبخصوص إتقان مراكز أُخرى سنجدُ بيليه يتقن اللعب في ثلاثة مراكز مختلفة على غرار جيرد مولر

 

الذي لا يلعب سوى في صندوق الهجوم كونه مهاجم صريحٍ .. 

 

بيليه لم يكنْ يحتاجُ لمن يُفكر عنه لإنه العقل المُدبر للفريق .. بينما جيرد مولر إحتاج لفكرّ زملاؤه بمن فيهم القيصر بيكنباور .

 

هناك مُقارنةٌ أُخرى كانت لتتحقق لولا سوء الحظّ الذي لازم صاحبها .. 

 

القصير المكير روماريو هو الصورة التي كانت إنعكاساً للملك بيليه والذي لم نرَهُ في عصرهِ مرأى العينِ .. 

 

عندما وضعتهم في نفس المقارنة إعتقدتُ بوجود تشابه تقريبيّ في مستوى النجميّن في بعض الخصائص الفنية 

 

لكليهما .. فالملك والإسطورة روماريو يتشاطران مهارة فريدة في السيطرة على الكرة أثناء الركضِ , ويُجيدان 

 

التسجيل من أرباع الفرص وخلّق فرص لأنفسهم من تِلقاءِ أنفسهم , ناهيك عن كونهما رأسي القيادة للمنتخب البرازيلي

 

في عهديهما المُختلفينِ .. إلا أن ما قد يعيبُ هذه المقارنة ويرفضُها مسيرة القصير المكير المُفعمة بالمشاكل اللا أخلاقية ..

 

بالإضافة إلى أن القصير المكير لا يملكُ سوى بطولة كأس عالم واحدة فقط ..

 

مع العلم بأن روماريو حققّ قرابة الثلاثين بطولة مختلفة في القارة العجوز أو اللاتينية أو مع منتخب السامبا ..

 

فلو كان روماريو قد فاز بكأس عالم 1998 على سبيل الجدلّ وبطولة 2002 كإحتياطيّ على سبيل الجدلّ أيضاً ,

 

لما تم زجُّ إسم جيرد مولر في مقارنته مع الملك وإكتفت الجماهيير بوضع البرازيليين في مقارنة لعقود طويلةٍ .

 

لنذهب إلى أمرٍ آخر .. 

 

عندما تابعت القيصر الألماني فرانز بيكنباور ومدى تمحورّه في أكثر من مركزٍ أدركتُ بأنه يملكُ عقلية سابقة لجيّله 

 

ولنقلْ بأنه إسطوريته سبقت العصر الذي خالطّه في عالم المُستديرةِ .. 

 

وفي الجانب الآخر لا نستطيع أن نتغاضى عن أفضل لاعب في خطوط الهجوم المختلفة يوهان كرويف الذي بدورهِ 

 

قدم موهبة وكُرة إستثنائية خالصة للبرتقالي أو للنادي الهولندي أياكس أمستردامِ .. 

 

كما لا نستطيع أن نتجاهل مايسترو القرن الواحد والعشرين زين دين زيدان الذي بدوره حسم مباريات مهمة 

 

لمنتخب الديوك أو حتى لنادي الملوك ريال مدريد .. 

 

في هذه الجزئية أرى بأن القشاشّ الألماني تعرّض لنوعٍ من الإضطهاد الفيفاوي أو ما أُسميه بالتجاهِل المُتعمدِ ..

 

المقارنة لن تكون على المراكز لإنها مُختلفة تماماً بينهم لكن سوف نأخذها على مدى التأثير والأداء الجماعي بالإضافة

 

إلى لُغة البطولات المحلية والدوليةِ .. 

 

في عهد فرانز بيكنباور حصلت ألمانيا على أفضل العروض والإنجازات كذلك نادي بايرن ميونيخ 

 

سواءٌ في بطولات أوروبا للأندية أو المنتخبات كما إمتاز القيصر الألماني بأنه هو كلمة السرّ لناديه ولمنتخبه الجيرماني ,

 

أما عن يوهان كرويف فقد حقق كرة إستثنائية نادرة على صعيد الأندية وكذلك مع المُنتخب ( فنياً فقط ) ,

 

ففي بطولات أوروبا لم أسمعْ بأن كرويف قد سجل هدفاً فيها ولم يُتوج بواحدةٍ منها على الإطلاقِ  ..

 

رغم أنه كان كلمة السرّ لأندية أياكس وبرشلونة ولمنتخب الطواحين الهولندية ,

 

يُمكن القولُ بأن حصيلة الطائر الهولندي مع البرتقالي هي صفر مُكعب .

 

بينما زين الدين زيدان والذي يبدو أفضل من سابقه يملكُ سجلاً طيباً على صعيد المنتخب الفرنسي ومع الأنديةِ , 

 

لكنه يظلُ بعيداً عن إنجازات القيصر المتقدمة والإستثنائية .. 

 

سنتثنِ يوهان كرويف من المقارنة لإنه فقط أحد شرطيّها وسنحصرُ زيزو والقيصر في نطاق الطرّحِ .. 

 

زيزو لم يكنْ الحاسم الأول في بطولة 1998 لكنه حسم النهائي وتسبب بسقوط البرازيل حامل اللقبِ , 

 

بينما فرانز بيكنباور كان كلمة السرّ لدفاع ألمانيا وخط هجومها طوال مونديال 1974 , 

 

( نُلاحظ تشاطر بطولتيّ زيزو وفرانز بأن البطولة أُقيمت على أرضهما وحققها معاً ) 

 

أما على صعيد الأُمم الأوروبية نفس المُعادلة مع عدم إجحاف أداء زيزو أمام البرتغال وإسبانيا في يورو 2000 

 

إلا أن نصيب الأسد يبقى لصالح القيصر الألماني دون إنقاصٍ لما قدمه زين الدين زيدان .. 

 

بعد كُل ما دلّونا به في الحديث عن هذه النقطةِ ماذا تعتقدون بأن تصنيف الأساطير يصبُ في صالحِ من ؟ 

 

ببساطة هناك تصنيفان أحدهما يجعلُ زين الدين زيدان الأول وبيكنباور ثانياً ..

 

وآخرُ يجعل يوهان كرويف أولاُ وزين الدين زيدان ثانياً وبيكنباور ثالثاً .. !

 

لازلتُ أفكر كيف إستطاع موقع التاريخ للإحصاء بأن يجعل كرويف ثانياً والقيصر ثالثاً ؟!

 

مع أننا تحدثنا مُطولاً عن الإسطورتين بخصوص شقيّهما الدولي والمحلي ؟! 

 

عندما أسلفنا عن الملك بيليه والطوربيد وضعنا الأسباب والعوامل التي جعلت الأول ملكاً على جميع لاعبي الكرة ..

 

بينما في الحالةِ الثانية أعتقد بأن هناك نوعٌ من الإستفهامات حيّال هذا الإنتقاءِ .. 

 

وإن أردنا أن نُعلل بعض النواقص في مسيرة النجوم الثلاثة , فلا أرى بأن أحدهم كان مُدمناً للمنشطاتِ , 

 

أو أن لهم أخلاقاً شنيعة خارج المُستطيلِ , أما إذا كان على المستوى الفردي فالطبع يوهان كرويف يفوقهم مهارة وسرعة ,

 

أما على مستوى صناعة الألعاب والتمريرات الهندسية فزيدان يفوق الإثنين في هذا الأمرِ .. 

 

بينما روح القائد والخليّط المُتعدد من التكتيك والمهارة ورسم الهجمات الصحيحة 

 

سنجدُ بأن القيصر يتفوق على قرينيه بمراحل عديدة ..

 

لنتجه إلى آخر القضايا التي بدأت بالزيادة أكثر فأكثر .. 

 

عندما رأينا عودة برشلونة إلى الواجهة وتصاعد أدائه في عهديّ فرانك ريخارد ثم في عهد بييب غوارديولا 

 

حتى وصل فريق برشلونة إلى ذروة عطائته في المواسم الأخيرة .. 

 

ما أستغربه أن يتم تقزيم أداء جميع أندية العالم وتهميشّ تاريخها مع العلم بأن ما يحدث لبرشلونة 

 

قد سبق وحدث لريال مدريد ولبايرن ميونيخ الألماني ولأياكس أمستردام وليفربول الإنجليزي , 

 

ما أراه بأن الإعلام قد ضخّم كثيراً مما يفعله برشلونة على غرار ما كان يحدث للأسماء المذكورةِ أعلاه , 

 

قد يكون السبب الأول في هذا الأمر هو الهالة الإعلامية التي صاحبت هذا الفريق بالإضافة إلى أن هذا الزخم 

 

يُصاحبه الكثير والكثير من عقود الرعايا والدعاية والتي ستدر عشرات الملايين لهذه الشركات والتي بدورها قد حولت 

 

 لُعبة كُرة القدم من مُتنفس لِعُشاقها إلى جهة إستثمارية ومصنع لضخّ الأموالِ في شتى بقاع القارة العجوزِ ,

 

بل إن البعضّ صنفه على أنه أفضل فريق لعب كُرة القدم على مرِّ العصورِ !

 

وضرب أندية ومنتخبات قدمت كرة أفضل بكثيرٍ من التي يقدمها برشلونة في الوقتِ الحاضرِ .. 

 

لن أبخسَ حق برشلونة كثيراً فهو نادٍ رائع وفريقه أكثر من ممتازٍ , لكن مسألة وضعه بجوار أندية أو منتخبات 

 

قدمت بطولات وفرّجة إستثنائية ما هو إلا ضرّبٌ من الجنونِ والإفراطِ في العشقِ .

 

فهد الفضلي – كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية

 

Twitter: @Fahad_Fenomeno

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى