وهل يخفى القهر؟!
قبل أن ترسل “ناسا” رائد الفضاء ارمسترونج “ليتنطط” على سطح القمر معلنة بدء عصر استكشاف الفضاء كان الشعراء العرب ومنذ 1400 عام “يتنططون” على سطحه مستكشفين وعاصرين فاكهة قلوب النساء إلى آخر قطرة. ورائد الفضاء العربي الأشهر في هذا المجال هو عمر بن أبى ربيعة هذا المخزومي الذي كان يقذف عالياً باقات قوافيه الخزامية نحو سماء خياله الواسع فتنثر عطرها في حقول أمنيات العذاري وتجذب إليها النحول والاصفرار البادي على صفحات الوجوه الذابلة المتيمة بعمر وسحر قوافيه.
يحكى أن عمراً كان يتجول كعادته فى ساحات مكة فنظرت إليه ثلاث أخوات جمعهن رحم واحد وجمعهن أيضا حب عمر فتهامسن مبتسمات وأخذن يشرن إليه فهاجت قريحة عمر وأنشد:
قالت الكبرى: أتعرفن الفتى؟ قالت الوسطى: نعم، هذا عمر
قالت الصغرى: وقد تيمتها قد عرفناه وهل يخفى القمر؟
اليوم في عصر “ناسا” لا يختلف العرب في فقه القمر فسواء كانوا على مذهب “ناسا” يرون القمر جبالاً وأخاديد وتحكماً بحركات المد والجزر وضابطاً لدقائق الشهور القمرية أو كانوا على مذهب “ابن أبي ربيعة” يرونه انعكاساً رائقاً لوجه محبوب أو خديناً يناجى في الليلة الظلماء ويسأل عن بدر البدور الغائب.. كل العرب سواء أكانوا “ناسيين” أم “عمريين” لا يختلفون على تساؤل: وهل يخفى القمر !!
ولكن العرب اليوم وللأسف يختلفون حول سؤال آخر وهو: وهل يخفى “القهر” !! والثورة السورية بالذات فضحت عشق العرب لإخفاء ما هو واضح من قهر صريح على الأرض السورية من مذابح وقمع يندى له جبين الإنسانية ولكن لا يندى له جبين من يسوغ ويسطر التبرير تلو التبرير لجرائم نظام “العبث” السوري بحجة أنه يفعل ما يفعل حفاظاً على وحدة التراب السوري !! أو تصديا لمخططات الصهيونية العالمية !! أو غيرها من الترهات التى لا تصمد أمام قطرة دم واحدة من طفل سوري ستسأل يوماً خالقها يوم العرض: بأي ذنب قتلت؟!
يقول الآيرلنديين: “لولا الخمر لحكم الآيرلنديين العالم” وأقول لولا الجدال وإخفاء الحقائق فلربما حكم العرب العالم كما فعلوا يوماً. والخمر والجدل أمام الحقائق الواضحة كلاهما مُسكرٌ للعقل فتجعله مترنحاً يحب أن يغفو على سرير غفلته لينشز بشخير هراءه ولا يرد على طرقات الأسئلة المتكررة على باب الحق الأبلج, هذه الطرقات التي تعزف دوماً على مقام العدل وتقول: وهل يخفى القهر يا آل يعرب !!
فالح بن حجري ـ كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية
Twitter: @bin_7egri