لا تترجل كالفرسان وإرحل كمصير الجبان!!
في كل بلدٍ في أنحاء المعمورة إيجابيات ودون ذلك ,فإذا كنتُ أحبذ عروض كرة السلة فلا يمكن أتجد أفضل من مباريات دوري السلة الأمريكي , أما إذا كنتُ أحبذ رؤية عروض السيارات السريعة , فقد تكون إيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية بدرجة أقل , الإختيارات الأنسب للحصول على هذه العروضِ , ولكوننا قد ذكرنا إسم ألمانيا فهي ستكون أساس حديثنا في هذه الزاوية , لن أُبالغ لو قٌلتُ بشكلٍ جازمٍ بأن هذه البلاد قد تكون أكثر بُلدان العالم إختلافاً عن غيرها , فالتقدم الصناعي لا يعرفُ وقتاً للتوقفِ وكذلك الأمرُ ذاته مع التكنولوجيا والعلوم بشتى أنواعها وأشكالها , إذا هي بلد تتقدم وُفْقَ أُسس ونظم ومعايير ثابته لا تتمحور مع مرور الزمنِ , فإذا تحدثنا عن الرياضة الألمانية فهي إسم شرس جداً لأقرانها من القارة العجوز أو خارجها , قصة ألمانيا قد تبدو غريبة لأيّ شخصٍ لا يملكُ الكثيرَ عن الكرة الألمانية منذ نشأتها وإلى هذه اللحظةِ , قد لا يصدق القارئ الآن بأن عدد مدربي المنتخب الألماني منذ تأسيسها إلى هذه اللحظة لم يتجاوز 11 مدرب !
أيّ أننا نستطيع أن نقول بأن يواخيم لوف هو المدرب الحادي عشر لإمبراطورية ألمانيا الكروية !
سياسة الإتحاد الألماني كانت ثابتة وراسخة لأكثر من مئة وأربعة أعوام !
لكم أن تتخيلوا مدى رباطة جأش هذه الفكرة الألمانية قبل أكثر من قرن من الزمانِ !
صدقاً قد يكون الأمرُ أشبه بالجنونِ أو إستغفال للذهنِ , لكنها في حقيقةِ الأمر قد أتت بثمارٍ عجزت منتخبات كثيرةٍ عن تحقيقِ ولو لنصفِ هذه الإنجازات والمراكز المتقدمةِ !
لنتجه إلى البدايات والإنجازات , الإسم الأول كان أوتو نيرز والذي درب ألمانيا لعشرة أعوام كاملة ما بين فترتي 1926-1936 في عهده وصل المنتخب النازي ( قبل سقوط نظام إدولف هتلر ) إلى المركز الثالث في مونديال إيطاليا 1934 , ماذا بعد تلك رحيل نيرز ؟
تولى المهمة شخصٌ كان له الفضل الأول والأخير في رسم إسم ألمانيا في خريطة كرة القدمِ العالميةِ !
سيب هيربرجر تولى زمام تدريب المنتخب الألماني لثمانية وعشرين عاماً على التوالي !
قرابة ثلاثة عقود من التدريب والتطويرِ والبحث عن لُغةِ البطولات
والتي قد إحتاجتها ألمانيا أكثر من أيّ وقتٍ مضى , في عهد هيربرجر , ألمانيا الغربية حققت كأس العالم مرة واحدة على أفضل منتخب في ذاك الوقت المنتخب الألماني الغربي هزم منتخب المجر 1954 في مباراة دراماتيكية !
فكانت النجمة الأولى التي زينّتْ غُلالة الناسيونال مانشافات , لقد كانت فلسفة هيربرجر مختلفة عن بقية مدربي عصره , فقد كان دائماً يقول : المنافس الأخطر هو دائماً المنافس القادم!
وكان يحترم خصومه دائماً عندما يُصرح قائلاً : المباراة تستمر تسعين دقيقة !
عهد هيربرجر كان لابد أن يرثه شخصٌ آخر لا يقلُ عنه حنكة , فتم إسناد المهمة إلى المُحنكِ الآخرِ هيلموت شون والذي بدوره ساعد ألمانيا الغربية على إجتياح القارة العجوز والعالم وتحقيقَ الكثير والكثيرِ !
البداية كانت وصيف مونديال 1966 , والذي سُرِقَ من الجميع بمن فيهم حامل اللقب وألمانيا الغربية , ثم حقق المركز الثالث في مونديال المكسيك بعد هزيمة صعبة في مباراة القرن أمام إيطاليا !
ماذا بعد هذا وذاك ؟
ألمانيا بطلة لأوروبا والعالم على التوالي ولأول مرة تحدث في التاريخ الرياضي , أن يجمع منتخبٌ لقبيّن عالميين ( قبل أن تُكررَ ذلك إسبانيا لاحقاً )
بعد سلسلة من الإعتزالات تأثر أداء الفريق فإكتفت بوصافة أوروبا فقط , مما سمح للزمنِ بأن يُكررَ نفسه من جديد برحيل هيلموت شون وتقليد يوب ديرفال مهام الإدارة الفنية للفريق , والذي بدوره قد أكمل المسيرة وحقق الذهب في مناسبة واحدة , وإكتفى بفضية مونديال إسبانيا قبل أن يفقد لقب البطولة التي حققها !
أراد الإتحاد الألماني أن يُغير من إستراتيجيته وأسند المهمة إلى لاعبٍ فريدٍ قد حقق الثنائية التاريخية , القيصر فرانز بيكنباور وبعد إعتزاله كلاعب بات القائد الألماني الجديد لكتيبة الجيرمان , إنطلق فرانز إلى مونديال المكسيك وقدم كل ما يُمكن تقديمه , لكن نُضج مواهبه لم يكن قد وصل إلى ذروته , فخسرَ بصعوبة بالغة جداً من الإسطورة دييجو أرمندو مارادونا ورفقاؤه , وإكتفى بالوصول إلى نصف نهائي أوروبا , إلا أن القيصر كان يُعد العدّة للإطاحة بجميع خصومه في معقل الطليان حيث ملاعب الكاتشيناتو الشهيرة , وكان له ما أراد بل وشاءت الأقدار بأن يصطدم القيصر بمارادونا مُجدداً , فإستطاع القيصرُ أن يثأر من مارادونا ويحقق لألمانيا النجمة الثالثة والتي عادلت بها كُلاً من البرازيل وإيطاليا بعدد كؤوس العالم , ليكون بذلك ثاني شخص في التاريخ يُحقق كأس العالم كلاعب وكمدرب بعد ماريو زغالو البرازيلي , لا بأس , رحل القيصر الألماني وأتى زمن التحطيم الفنيّ قبل المعنويّ !
بيرتي فوغتس إسمٌ قد حقق بطولة العالم والقارة العجوز في السبعينات , إلا إنه كان السبب الرئيسي نحو تحطيم الكرة الألمانية لسنوات عديدة مُتصلة , فقد كان مُتوسط أعمار لاعبي ألمانيا في بطولة إيطاليا 27.2 سنة أما متوسط أعمار لاعبي ألمانيا في بطولة الولايات المتحدة الأمريكية بلغ 28.5 سنة !
أما عن مونديال فرنسا فقد كانت الصدمة بأن متوسط أعمار لاعبي الفريق هو 33.2 سنة !
يعني جيل من العواجيز حطَّ الرحال إلى فرنسا من أجل تحقيق كأس العالم فكان الخروج المؤسف مُتوقعاً في ظل التقدم الصارّخ لسنِّ لاعبي الفريقِ !
إكتفت ألمانيا فقط بوصافة أوروبا 92 وتحقيقها للبطولة نفسها في النسخة التالية , ما الأمرُ المُريب في عهد فوغتس ؟
الأمرُ المُريب بأن ألمانيا قد حُرِمَتْ تماماً من جيل جديد كان بإمكانه تقديم أفضل من الذي ظهر به فريق العواجيز !
هذا المدرب قد تسبب بخلّق فجوة في عملية تناقل وتتابع الأجيال , وكلف هذا الأمر ألمانيا الشيء الكثير فتراجعت فنيّاً وتكتيكياً حتى إنتهى بها الأمرُ بصورة أكثر من مخزية في يورو 2000 !
لكن ولحُسنِ وسوءِ الحظِّ حصلت ألمانيا على الحظ الجيّد مع رودي فولر والحظ السيء الذي لازم ألمانيا في نهائي العالم 2002 , قال رودي فولر في مونديال كوريا واليابان بعد سلسلة الإصابات التي إجتاحت الفريق , بأن تجاوزه للدور الأول إنجاز لألمانيا !
ماذا بعد هذا التصريح ؟
ألمانيا تقدم عروض مميزة وتستحق الإشادة وتسقط بصعوبة أمام برازيل رونالدو وريفالدو , فإستحق فولر التحية والتقدير والإحترام حتى يومنا هذا ولأيام قادمة نظير ما قام به من إنقاذٍ لإسم الكرة الألمانية , عهد يورغن كلينزمان كان فقط لتحقيق كأس العالم في أرض الجيرمان ورغم العروض الألمانية المميزة لكنها أخفقت مع إيطاليا وإكتفت بالمركز الثالث ,يبدو بأن الزمن يُعيد نفسه من جديد مع الإتحاد الألماني إذ أرتكب هذا الإتحاد حماقة لا تُغتفر ولا أظنُ بأن الأيام سوف تغفرُها ..
مسألة التعاقد مع مدرب لا يملكُ أيّ رؤى ثاقبة للمباريات والبطولات لا يستحق البقاء في بلدٍ كرويّ كبيرٍ !
يواخيم لوف وبكل أسفٍ حصل على أقوى جيل مهاري تكتيكي في تاريخ ألمانيا الطويلِ , علامات الإستفهام عديدة حول هذا المدرب المتواضعِ , لقد أخفق أمام إسبانيا المميزة في نهائي يورو 2008 , مع العلم بأن طريق ألمانيا كان أصعب بكثيرٍ من إسبانيا !
إزاحة البرتغال وتركيا الرائعين أشدّ صعوبة من إزاحة إيطاليا المتراجعة وروسيا ( الحصان الأسود )
فقدت ألمانيا ذهب أوروبا لصالح إسبانيا !
لا بأس , ألمانيا تظهر في مونديال جنوب أفريقيا بصورة متوازنة في جميع الخطوط وتقدم عروض كروية في قمةِ الأناقةِ , سحقت ألمانيا إنجلترا في دور الثاني برباعية تاريخية , وكررت نفس الأمر مع أرجنتين مارادونا ميسي !
إلا أن لُغة الخوف التي خاطب فيها يواخيم لوف الصحافة العالمية تسببت بإحباط لاعبي الناسيونال مانشافات يواخيم لوف عند مواجهة إسبانيا صرح أكثر من مرة بأنهم سوف يواجهون 11 من ميسي !
وصرح بأن إسبانيا تملك لاعبين من طراز رفيع جداً لا يمكن مُجاراتهم على الإطلاقِ !
وكأن لاعبي ألمانيا من أندية حواري !
فتكرر ما يصبو إليه لوف وخسرت ألمانيا مُجدداً من بطل أوروبا وإكتفى بالمركز الثالث على حساب الإرغواي , أما إذا أردنا أن نختم حديثنا عن لوف عن بطولة أوروبا الأخيرة , فيكفي القولُ بأن الناسيونال إنتصر بالعلامة الكاملة أداءً ونتيجةً من مجموعة الموتِ والتي ضمت كُلاً من البرتغال والدنمارك وهولندا وسحقت منتخب اليونان بطل أوروبا من قلب عاصمة البرتغال , إلا أن الخوف وعدم الثقة بالنفس قد ساور يواخيم لوف فوضع لاعبين لم يكونوا بأفضل أحوالهم , والأدى بعد التأخر الألماني بهدفين , قام بإجراء التبديلات التي كان لابد أن تكون أساسية في الفريق , إلا أن الوقت لم يُسعف ألمانيا وتستمر سلسلة هزائم ألمانيا من إيطاليا ويبقى يواخيم لوف على رأس عمله الفنيّ !
رغم أن تكتيكه بات معروفاً بل ومفضوحاً بكل الصورِ المُمكنةِ , الأمرُ الذي يؤكد لك ضعف تكتيك يواخيم لوف تصريحه قبيل مواجهة الآتزوري قائلاً : سوف نركز على أندريا بيرلو !
هو لم يدركْ بأنه بهذا التصريح قد فضح تكتيكه ووضع شفايني وخضيره وكروس لمراقبة بيرلو في تلك المواجهة !!
مما ساهم بإطلاق العنان لخواصر المنتخب الألماني ليسرح ويمرح لاعبوا الآتزوري كما يريدون , بل والأدهى بأن بيرلو حصل على جائزة
أفضل لاعب في المباراة !
فلم تفلحْ خطة يواخيم لوف , ولم ينجح في إيقاف بيرلو كذلك !!
البرازيل قدمت عروض أسوأ من عروض لوف وأقالت المدرب بعد عامين ونصف من مهامة التدريبية , فماذا ينتظرُ الإتحاد الألماني يا تُرى ؟
أعتقد بأن الأمر مُجرد مكابرة لا أكثر من ذلك , الأمرُ بسيطٌ الآن وواضحٌ كوضوحِ الشمسِ في كبّدِ السماءِ ,
مالم تحققْ بطولة العالم القادمة لهذا الجيل , حينها يمكن أن نقول بكل أريحية بأن هذا الجيل المهاري قد إنتهى رسمياً , لإن مونديال روسيا سوف تظهر شراسة روسية كالتي ظهرت في الجيش الأحمر في مواجهة جيش هتلر وإنتهى الأمرُ بإنتهاء الأخير .
فهد الفضلي ـ كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية
Twitter: @Fahad_Fenomeno