قلم الإرادة

تكلم حتى أراك

   لاحظ الفيلسوف سقراط في إحدى المرات أن كل تلاميذه قد سألـوه فأجابهم إلا واحداً فالتفت إليه سقراط قائلاً : “تكـلم حتى أراك”. إن هذه العبارة تدل على أن اللسان هو المعبر عن شخصية أي إنسان وأن الكلام هو ما يعكس شخصية صاحبه والفكر الذي يحمله والموهبة التي يمتلكها فالإنسان ليس بالشكل أو الهيئة بل بما يحمل من فكر ورأي.

 

   “تكلم حتى أراك ” أن الكلام هو الجسر الذي يمر به الشخص للوصول إلى المتحدث ومعرفته المعرفة التامة إن كان حكيماً أو مثقفاً أو جاهلاً أو متعلماً، فالكلمة هي العنوان الكبير لشخصية الإنسان مهما كانت طبيعته وعلاقاته وللحصول على الحوار البناء الهادف فلا بد من أن يكون هناك مرسل جيد ومستقبل ممتاز لهذا الحوار للوصول إلى الهدف والغاية من ذلك، وللحوار أهمية كبيرة في حل الخلافات ونبذ المشاكل وبه تسود المحبه والألفة .

 

   ” تكلم حتى أراك ” عبارة لا تعترف بشكل الإنسان الخارجي وما يرتديه وما يتقلده من منصب أو ما يمتلكه من المال؛ بل هي دعوة صريحة للكلام والتحدث فقيمة الإنسان بما ينطق أو يكتب فالكلام الطيب يتسم بالإيجاز بعيداً عن الإطالة والإسهاب التي يتعدى أحياناً إلى الهذر، فمن كثر كلامه كثر خطاه ومن كثر خطاه قل حياؤه، فالإنسان عندما يتكلم يجب عليه التروي والتأني والابتعاد عن العجالة في الحديث وأن يرد على قدر ما يسأل وألا يجادل في شيء يجهله ويبتعد عن السفاهة في حواراته .

 

   “تكلم حتى أراك ” أن الحديث بلا معرفة يستلزم الصمت، فصمت يكسبك الوقار خير من كلام يكسبك الشنار، وقال أبو تمام الطائي: ومما كانت الحكماء قالت لسان المرء من تبع الفؤاد وكان بعض الحكماء يحسم الرخصة في الكلام ويقول: إذا جالست الجهال فأنصت لهم، وإذا جالست العلماء فأنصت لهم، فإن في إنصاتك للجهال زيادة في الحلم، وفي إنصاتك للعلماء زيادة في العلم .

 

فيجب علينا جميعاً اختيار الكلام الطيب عند حديثنا وأن يكون كلامنا مقبولاً طيباً سهلاً مقنعاً وموجزاً معبراً.

 

” تكلم حتى أراك ” أن الكلام نظام جعل للسان التزام وعن النبي صلى الله عليه وسلم أمسك لسانه طويلاً ثم قال: رحم الله امراً قال خيراً فغنم أو سكت عن سوء فسلم .

 

ورحم الله ابن القيم عندما قال: القلوب قدور والألسن مغارفها.. 

 

يقول الشاعر المبدع راشد بن زميع القحطاني في إحدى روائعه:

 

واحفظ لسانك لا يجرك ويبلاك

لو غلا مشتراها اخذ الثمينه

الهرج ميزانك ويكشف خفاياك

كلمة تعيبـك لا تبـيّن نبـاهـا

صون الكلام وصون نفسك ومبداك

للنفس حشـمة لا تفصّـم عراهـا

اصمت مدامك عارفٍ سير مجراك

لا تنقل النّمة وتبحث خفاهـا

يزول قدرك عند أقرب دناياك

لو هو ولدعمّك حياتك جفاهـا

واحلم تراه الحلم يرفع مزاياك

هو سيّد الأخلاق هو مبتداهـا

 

**

 

دالي محمد الخمسان ـ كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية

 

Twitter: @bnder22

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى