أهل الدستور
ماذا يريد إسلاميوا مصر؟
سؤال يدور في أذهان معظم المصريين الآن (ماذا يريد أهل الإسلام السياسي وفي ماذا يطمحون أكثر مما هم فيه الآن؟) هذا السؤال له أسباب كثير وعديدة والسبب في هذه الحيرة يرجع إلى التهور والتسرع من قبل المصريين أنفسهم أيام الاستفتاء على المواد فوق الدستورية ثم انتخابات البرلمان المصري المنحل حالياً ثم انتخابات مجلس الشورى (ليس له تلاتين لأزمة ) ثم اخيراً الانتخابات الرئاسية والتي جعلت أهل الإسلام السياسي على قبة الهرم السياسي المصري الآن.
أعلم جيداً أن 70% ممن صوت للرئيس المصري د. محمد مرسي لم يصوتوا عن اقتناع ولكن هرباً من الرجوع للخلف بانتخاب الفريق شفيق والذي يوشك أن يمحو تاريخه كله بجريمة شنعاء لمصلحة جمال وعلاء مبارك.
والأسباب هذه أخشى أن تتكرر ثانية وبنفس الطريقة في الاستفتاء على الدستور الذي سوف يخرج علينا بعد برهة من الوقت حيث أن معظم القائمين عليه من نفس التيار السياسي الجديد على مصر والمحير لشعبها إلى الآن بل أنهم أيضاً يسببون خوف وهلع لبعض المصريين لما يخرجون به علينا كل يوم وليلة من أفكار أقل ما توصف به أنها أفكار الجاهلية الأولى، ومكمن الخوف هنا ليس من الأفكار فحسب؛ بل الخوف أنها تخرج ممن هم المنوط بهم كتابة دستور مصر، فهؤلاء الأعضاء الموقرون يقبعون داخل اللجنة يفكرون ويمحصون ثم يخرجوا علينا بنتيجة أفكارهم هذه فتجدها تعود بنا إلى قرون عدة للخلف.
أحد هؤلاء الاعضاء كان يتحدث منذ يومين أو ثلاثة على الأكثر عن زواج الإناث في سن مبكرة وقال باللفظ ليس هناك حرج أن تتزوج الفتاة حتى لو في سن التاسعة من عمرها ولماذا لا نرضى ما دام الشرع ارتضى لنا هذا وإلى متى سنتبع الثقافة الغربية؟
فإذا كان هذا تفكير من يضع الدستور المصري الآن فما بالك بباقي الاتباع الذين يسمعون فيطيعون دون لحظة تفكير واحدة وإذا كان هذا هو اعتقادهم كيف أأمن على دستور يخرج من تحت أيديهم ليكون بمثابة حد سيف من يتعداه قطع رأسه الخوف؟ هنا ليس من القوانين بقدر ما الخوف من أن هؤلاء هم من يتحكمون في رسم المستقبل.
بدلاً من أن يخرج علينا أحدهم بإصدار قانون بإلزام التعليم للفتيات ولو على الأقل تعليم إعدادي كحد أدنى يقول هذا الهراء بدلاً من أن يخرج علينا أحدهم بقانون يلزم الآباء بعدم إجبار الابن على الزواج مبكراً أو دون رضاها يخرجون علينا بمثل هذا الافتراء، والسؤال الذي أريد أن أوجهه لهذا العضو المحترم (هل إذا جاءك أحد أصدقاؤك في اللجنة وطلب منك أن يتزوج ابنتك ابنة العشر سنوات ستوافق وتبارك الزيجة أم ستقوم بنهره وسبه وفضحه على العلن؟).
معظم هؤلاء يستشهدون بزواج الرسول صلى الله عليه وسلم من أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها فلماذا لا يستشهدون بزواج النبي بأم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها وهي التي كانت تكبر سيدنا رسول الله بخمسة عشر عاماً كاملة ـ هل الاتباع فقط فيما يرضي أهواءهم؟
وهناك شخص آخر خرج علينا يطلب من السيد الرئيس د. محمد مرسي أن يدعو المسلمين بأن يتزوج الرجل من امرأتين للقضاء على العنوسة (هذا الرجل صاحب الطلب يمتلك قناة فضائية للمنقبات) وبالطبع هذا الطلب لا ينطبق إلا على من هم مثله يتربح من اطلاق لحيته ويتبع الرسول فقط في تعدد الزوجات وبالطبع هذا الطلب لا ينطبق على 99% من شباب مصر لأن الواحد منهم لا يستطيع توفير أتعاب المأذون الشرعي الذي سوف يقوم بتحرير وثيقة الزواج أصلاً.
والأسئلة الأهم هنا ـ هل أصبحت مصر خالية من المشاكل العضال وأصبح أهل مصر وشبابها جميعهم من رواد الساحل الشمالي وبورتو مارينا وبورتو غالب فاتجه هؤلاء لملء الفراغ بمثل هذه الهراءات؟ هل أزمة الوقود وأزمة الأمن وأزمة الرواتب والمطالب الفئوية كلها تم حلها ولم يتبقى لنا سوى هذه المسائل التي تنغص علينا حياتنا فأنشأنا لجنة لتجد لنا الحل؟ هل هؤلاء الجهابذة لديهم أطفال إناث في سن العنوسة يريدون تزويجهم أم هم من يطمع في الزواج من أطفال في سن الزهور ليدمروا لهم مستقبلهم ويقضون على أحلامهم مقابل إشباع نزواتهم؟ هل هذه هي السنه النبوية حقاً أم هذا ما يريدون هم أن يصل الينا وليس غيره؟
لا أعلم بالقطع ماذا يريد أهل الإسلام السياسي ولا أعلم هل سيترك المصريون هؤلاء يشيعون أفكارهم بيننا في بلد عرف عنها من قديم الأزل أنها بلد الوسطية والاعتدال والتسامح بلد يوجد بها أكبر وأعظم منارة للإسلام وهو الأزهر الشريف، ولماذا لا يتحرك علماء الأزهر ليبينوا لنا ما هي الحقيقة فإذا كان الحق معهم فسنكون أول المعتذرين ونعترف بجهلنا أما اذا كان الحق معنا فيجب إبعاد مثل هؤلاء عن العامة من الناس لأنهم يشيعون الفتنة بينهم، أرجو من الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر أن يفتينا في هذا وما سيقوله أنا على يقين بأن المصريين سيقبلوا به وسيحتكمون إليه أرجوه ألا يتركنا لهؤلاء المنتفعين حتى لا تصبح مصر بلد مفتون في دينه وهذا ما أعتقد أنهم يسعون إليه.
ورسالتي الآن إلى لجنة وضع الدستور المصري أستحلفكم بالله أن تتعاملوا مع هذه المهمة كما تتعاملون مع مستقبل أبنائكم لا تدعو جزء منكم يعبث بمستقبل أمة كاملة ولا تؤكدوا لنا بأن الدستور مقسم فالليبراليين واليساريين الموجودين باللجنة لهم المواد السياسية والإسلاميين لهم المواد الاجتماعية لأن هذا ما يقال الآن أن الدستور أصبح صفقة جزء لهم وجزء لكم أرجو أن يكون الأمر ليس كذلك وأن يتم حذف كل المواد التي من شأنها إضاعة كرامة الفرد المصري رجاله ونساءه، نريد دستور يعيش معنا أبد الدهر لكي لا نعيد ترميمه كل أربعة أعوام بما يترائى لكل رئيس يحكم مصر.
أما الرسالة الاخيرة فهي إلى الشعب المصري وخصوصاَ فئة الشباب التي أعيش سنواتها الآن برجاء عدم التسرع في إبداء رأيكم في الدستور الذي يتم إعداده الآن، أرجو أن تقوموا بقرأته أكثر من مرة وإذا وقفتم على أحد بنوده وصعب عليكم فهمها أسألوا أهل الخبرة والاختصاص ليقوموا بشرحها لكم ثم تبدون رأيكم لا ينساق أحدكم وراء الآخر كما حدث من قبل لا يسوقون لكم الاكاذيب بأن هذا الدستور هو الاستقرار وهو مجلب الاستثمارات والدولارات وهو منقذنا من ديوننا المتراكمة وهو حلمنا وحلم شهداء الثورة المجيدة وإذا تأخرنا في اعتماده فسوف تنهار الدولة وينهار الاستقرار وتهرب الاستثمارات لا نريد أن ننخدع مره أخرى فهذا هو مستقبلنا ومستقبل أبنائنا يجب أن نتعامل معه بكل جد واحترام.
أقول هذا الكلام وأنا أعلم أن هناك وقت لإصدار الدستور ولكن هذا ما سوف يحدث من خلال قراءة بسيطة لما يخرج به علينا أعضاء اللجنة، أتمنى من الله أن يخيب ظني ويخرجون لنا دستور نحترمه قبل أن نوافق عليه.
محمد سمير ـ كاتب مصري
Twitter: @Momo202005