لماذا يسبب التوقيت الصيفي جدلاً طائفياً في لبنان؟

ووسط انهيار العملة، وانقطاع الكهرباء، وفقدان الدواء من الصيدليات، وتبخّر المدخرات، وتراكم قضايا الفساد، وغلاء المعيشة، تأخذ بعض السجالات المفتعلة طريقها إلى المستوى التالي.
هذه المرة، وجدت التيارات السياسية المتخاصمة حجة جديدة لسجال طائفي حول حقوق المسيحيين والمسلمين ومكانة كلّ فئة في السلطة، في تعاقب الفصول، وتغيير التوقيت. كيف؟ ولماذا؟
بدأت القصة بانتشار تسجيل فيديو لرئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو يطلب من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، تأخير العمل بالتوقيت الصيفي العالمي، مراعاة للصائمين خلال شهر رمضان.
عالمياً، يبدأ العمل بالتوقيت الصيفي هذا العام يوم الأحد 26 مارس/ آذار، ولكن مجلس الوزراء اللبناني قرر تمديد العمل بالتوقيت الشتوي حتى 20 أبريل/ نيسان.

تسبب القرار ببعض الإرباك، لأنه قد يؤثر على قطاعات الاتصالات والطيران، فساعات الهواتف وأجهزة الكومبيوتر تتغير تلقائياً إلى التوقيت الصيفي، ما قد يضطر الكثيرين إلى إعادة ضبطها يدوياً.
كما أن جداول الرحلات الجوية في الفترة المذكورة، صادرة أساساً بحسب مواعيد التوقيت الصيفي، ما دفع شركة “طيران الشرق الأوسط”، وهي شركة الطيران اللبنانية الوطنية، إلى الإعلان عن عدم التزامها بالقرار.
كذلك طلبت شركتا “ألفا” و”إم تي سي” للاتصالات من المشتركين ضبط إعدادات الساعة في هواتفهم الخليوية يدوياً لتجنب تغير الوقت كما هو مبرمج بحسب التوقيت الصيفي.
وأعلنت مؤسسات عدة عدم التزامها بالقرار على غرار محطات تلفزة بينها قناة “إم تي في” والمؤسسة اللبنانية للإرسال انترناسيونال (إل بي سي)، التي أشارت إلى أن عدم الالتزام بالساعة العالمية “سيؤثر على أعمالنا”.
من جهة ثانية، قال بعض المعلقين على مواقع التواصل الاجتماعي إن القرار لن يخدم الصائمين بشيء، لأنهم سيصومون نفس عدد الساعات من الفجر إلى الغروب، بغض النظر عن التوقيت.
وقال آخرون إن مبدأ التوقيت الصيفي بأكمله ليس له أي فائدة تذكر في الحالة اللبنانية فلا تأثير له على حركة الإنتاج ولا على الاقتصاد مع ركود الاقتصاد بسبب الأزمة المالية.
وكالمعتاد كلّ سنة وعند تغيير التوقيت، استعاد بعض المعلقين تعليقاً ساخراً شهيراً لزياد الرحباني من أحد برامجه الإذاعية، حين يقول “شو في ورانا ليقدموا الساعة ساعة؟ ويلخبطوا هالعباد؟ شو هالساعة لي من العمر؟”.
انشغال المسؤولين بأمور هامشية مثل تقديم وتأخير الساعة، ليس إلا دليلاً، بحسب كثيرين، على فشل متجذر في حلّ مسائل جوهرية، في بلد يعدّ القطاع العام فيه شبه مشلول بسبب فقدان رواتب الموظفين قيمتها.
ولكنّ الجدلَ حول الموضوع أخذ منعطفاً غير متوقع، حين فسر البعض قرار مجلس الوزراء على أنه “موجه ضد المسيحيين”.
أعلنت البطريركية المارونيّة عدم تنفيذها القرار، والتزامها بالتوقيت الصيفي العالمي، بحسب وكالة فرانس برس.
وانتقد مكتبها الإعلامي في بيان اتخاذ القرار “من دون التشاور مع سائر المكوّنات اللبنانيّة، ومن دون أي اعتبار للمعايير الدولية، وللبلبلة والأضرار في الداخل والخارج”.
واعترض كل من التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، أبرز الأحزاب المسيحية، على القرار.
وكان من أبرز المعترضين رئيس التيار الوطني الحرّ، النائب جبران باسيل، الذي كتب في تغريدة على تويتر: “قصة الساعة ما بتنقبل ومعبّرة كتير بمعانيها… ما بيجوز السكوت عنها لحدّ التفكير بالطعن فيها أو بعصيانها”.
ووصف النائب عن التيار سيزار أبي خليل في تغريدة القرار بأنه “فضيحة”، وقال إنه قد “يتسبب بإسقاط حكومات”، معتبراً أنه لم يكن يحق لرئيسي مجلس النواب والوزراء الانفراد بالقرار.
في السياق العام، لا جديد في اعتراض باسيل وكتلته على قرارات ميقاتي، ونصائح بري، والعكس صحيح. فهناك خصومة سياسية بين تيار باسيل، وحركة أمل التي يرأسها بري.
كذلك، فإن التوتر يسود العلاقة بين باسيل وميقاتي، منذ خلو مقعد رئاسة الجمهورية، وذلك بعد مغادرة الرئيس السابق ميشال عون قصر بعبدا قبل أشهر، ومواصلة ميقاتي عمله في حكومة تصريف الأعمال، ما يعده التيار الوطني الحرّ “تجاوزاً للصلاحيات”.
وفي مناسبات لا تحصى، تسود خلافات بين التيارات السياسية اللبنانية حول توزيع المناصب في الدولة، بحسب التوزيع الطائفي. فمن المعتاد أن يدخل البلد في شلل مثلاً، في حال حدوث خلاف على تعيينات في مناصب أمنية أو وظائف عامة، “تَحق” بحسب العرف السياسي لطائفة أو لأخرى.
ولكن لم يسبق أن شهد الرأي العام سجالاً مماثلاً على موضوع التوقيت الصيفي، خصوصاً أن العادات الاجتماعية السائدة، والخطاب العام، يراعي جميع الطوائف، من حيث العطل الرسمية والأعياد التي تتقارب تواريخها من بعضها البعض هذه السنة، فمع حلول صوم رمضان لدى المسلمين هناك الصوم الكبير لدى المسيحيين.
في المحصلة، استيقظ اللبنانيون الأحد في توقيتين زمنيين مختلفين، في بلد واحد، مع التزام البعض بقرار الحكومة، وتحدّي آخرين له.
بعض المعلقين على تويتر أعلنوا رفضهم التأجيل بعبارات غاضبة، لأنهم رأوا فيه دليلاً على محاولة فرض عادات بعض الفئات على فئات أخرى، ووصل الأمر ببعضهم حدّ التعبير عن قلقه من أن تصير عطلة الأسبوع في لبنان يوم “الجمعة بدل الأحد”، علماً أن المدارس الرسمية والدوائر الحكومية في لبنان تعطّل يومي الجمعة والأحد في الأساس.
ووضع البعض القرار في سياق “ضعف التمثيل المسيحي” في الدولة، فرأوا أنه لو كانت رئاسة الجمهورية فاعلة وقوية ولا تعاني الفراغ منذ أشهر، لما كانت الرئاستان الأخريان تمكنتا من الاستئثار بقرار تغيير الساعة.
ورأى البعض أن الحدة في السجال، ليست إلا واجهة لخلاف سياسي بدأ يتعاظم بين التيار الوطني الحرّ وحزب الله، بعدما كان الجانبان يتحدثان لسنوات عن التأثيرات الإيجابية لورقة التفاهم التي وقعاها عام 2006، وكانت إيذاناً لبناء علاقات أمتن بين الموارنة والشيعة.
وفي وقت سخر عدد من المعلقين من مستوى النقاش الطائفي غير المبرّر وسط ما يعيشه لبنان من أزمات، رأى آخرون أن هذا النوع من الجدل، ليس إلا مظهراً من مظاهر تنافس ما سموه بمكونات الفساد، على مكتسباتهم في الدولة، تحت عناوين طائفية.
وسخر معلق قائلاً “يا هل ترى غداً حين يدرس أولادنا التاريخ (سيجدون) أن اندلعت الحرب الاهلية في لبنان العام 2023 بسبب عدم تقديم الساعة؟”.
كما اعتبر معلقون أن القرار لن يغير شيئاً في حياة الصائم في شهر رمضان كون عدد ساعات الصوم لن يتغير.
وكتبت احداهم في تغريدة “الفكرة أن تفطر باكراً علماً أنه ليس لديك (المال) لتفطر به”.
تتحوّل السجالات السياسية في لبنان إلى اقتتال حول المكانة التي تتمتع بها كل طائفة. ورغم كلّ خطابات الوحدة والعيش المشترك، ورغم الهم الاقتصادي الذي لا يميّز بين لبناني وآخر يمكن لسجال طائفي حاد أن يشتعل مثلاً لأسباب لا قيمة فعلية لها.
فنقاش التوقيت الصيفي هذا، ليس إلا امتداداً لنقاشات من نوع الاختلاف في دورات المياه بين البيوت اللبنانية حسب المناطق، وإن كانت تحتوي على شطافة أم لا!