قلم الإرادة

إبراهيم الحمدي الرئيس المعجزة

صادف 13 يونيو من هذا الشهر، ذكرى تولي الرئيس ابراهيم الحمدي الرئاسة في اليمن ،في عام 1974 وذلك بعد ظروف بالغة اسوأ وصلت أليه هذه البلد.

لكن الحمدي أغُتيل في 11 اكتوبر عام 1977 في أبشع حادثة استهدفته؛ مع أخيه عبد الله الحمدي قائد لواء العمالقة وهو أحد الالوية القوية في اليمن، وما يسمى بقوة النخبة إلى جانب قوات المظلات وذلك بعد عزومة قام بها، مجموعة من القادة العسكريين المقربين منه وبدعم خارجي لينفذوا طريقة قتله وطعنه، بشكل بشع وذلك بعد أن قتلوا أخيه عبد الله قبله بعدة ساعات .

جاء تولي الرئيس إبراهيم الحمدي بانقلاب أبيض، وبعد تنازل الرئيس عبد الرحمن الارياني عن السلطة وهو ثاني رئيس لليمن بعد ثورة 26 سبتمبر، حيث كان الرئيس عبد الله السلال أول رئيس لليمن.

لكن السلال أزيح عن الحكم عام في 5 نوفمبر 1967 بانقلاب قامت به القوى القبلية، والقيادات العسكرية التابعة لها وذلك بعد مؤتمر خمر، في 2 مايو عام 1965 والذي كان للشيخ عبد الله بن حسين الأحمر دوراً كبيراً في تشكيله، لمواجهة مبادئ الثورة اليمنية المدعومة من مصر، ووضع عبد الله بن حسين أجندة مناهضة للثورة لينصب هدفه فيما بعد، في السيطرة على السلطة وفرض وجوده ووصايته على واقع الدولة والمؤسسات.

تعرض الرئيس عبد الرحمن الارياني لضغوطات عدة ولم يكن لديه القوة العسكرية الكافية والتأثير الواسع، وذلك بعد سيطرة القوة القبلية على الجيش وكذلك عدم قدرته في إضعاف مراكز القوى، وتعطل بناء المؤسسات في ذلك الحين وعملت القوة القبلية على تنصيب نفسها حاكماً فعلياً، وذلك بعد فرض الوصاية على واقع الحكم والسيطرة على الجيش، والوظائف العليا ومراكز القوة في الدولة، وكان عبد الله بن حسين يهدد باجتياح صنعاء إذا ما أعترض الرئيس الارياني، على عبثه وفوضويته في القرارات والتعينات.

ومع تولي الرئيس إبراهيم الحمدي رئاسة مجلس قيادة الثورة في 13 يونيو 1974 فقد عمل على إعادة واقع الدولة وفرض القانون، وتعزيز المساواة والقضاء على هيمنة القوة القبلية والدينية، في الاستمرار في شل قدرات وإمكانية اليمن.

ووضع إبراهيم الحمدي الخطة الخمسية في بناء المشاريع، التي تعتبر ذات أولوية اساسية لليمنيين مثل التعليم والصحة، وأعاد للمؤسسات قوتها واهتم ببناء الجامعات والحدائق وتشجير المدن، وبناء العديد من الطرق وقام بوضع رقابي وحركة تفتيش واسعة، لمعرفة مواضع الخلل في الدولة.

وعزز الحمدي سلطة الدولة لفرض نوع من ضبط للإنفلات الأمني والتهريب، وكان يقوم بإختبار مدى كفاءة النقاط العسكرية والأمنية والتخفي بإشكال وطرق مختلفة، وأهتم بزيادة فعالية الجمارك وكان يمارس زيارات خفية للمؤسسات والمكاتب الحكومية، كما لو كان مواطن عادي لديه مشكلة معينة لم يكن قادراً على حلها.

ظل دور الرئيس إبراهيم الحمدي قوياً حيال مواجهة كل طرق العبث والفوضى، وبمجرد معرفته بالفساد يتحرك لتصحيح واقع الدولة ويقوم بعملية تغير للقيادات سواء كانت مدنية وعسكرية، حيث منع خلال فترة حكمه استخدام المركبات يعني “السيارات” الحكومية والعسكرية في الاستخدام الشخصي، فالمسؤول في عهد الحمدي لم يكن قادراً على تحريك وقيادة سيارة الحكومة والجيش، في غير الوقت المخصص له ولم يكن يستخدمها، لنقل عائلته أو جعلها ضمن إطار خدمته الشخصية.

امتدت السنوات القليلة لحكمه والتي تمكن الحمدي فيها من تنفيذ أرقى مشاريع الحكم،  ومثلت فترات الحكم عند توليه السلطة ازدهاراً ونمواً كبيراً.

تلك الفترة الممتدة من ثلاث سنوات كان المرحلة الاولى، ضمن خطة إعادة تشكيل واقع الدولة وضبط وظيفتها، وضمان استمرارية التغيير في كل قطاعات الدولة، وكانت تصورات وخطط الحمدي تتضمن الجانب الاقتصادي، وزيادة الرواتب وأعطى التعليم الأولوية في بناء المشاريع لهذا القطاع، وتحرير الجيش من مراكز النفوذ القبلية والسياسية والسلالية.

رسخ الحمدي واقع القانون والعدالة وفرض توجهاً صارماً، لبناء الدولة ومواجهة الفاسدين ووضع رؤيته المتقدمة، في بناء اليمن الحديث وتحقيق الوحدة اليمنية، ووضع اليمن ضمن نطاق الدول الفاعلة والمؤثرة في نطاقها العربي، والدول المطلة على البحر الأحمر.
لم تكن القوى المعادية للدولة اليمنية المستقلة والقوية والمدنية راضية عن كل خطوات وإنجازات الحمدي، واستطاعت تلك القوى التي حكمت اليمن الشمالي والمعروف “بالجمهورية العربية اليمنية ” قبل الوحدة بعد اغتياله تعطيل مشروع الدولة الحقيقي.

بل عادت تلك القوى للاستمرار بعبثها وفسادها وهيمنتها غير القانونية تحت حكم علي عبد الله صالح، ورسخت الطبقية وسيطرت على مراكز الثروات والقرار، وأنتجت حكماً قبلياً يقوم على حالة من الاستعباد لبقية اليمنيين، وأعطت الوظائف الأساسية والمهمة لمن ينتمون لذلك المحيط القبلي وكان هناك اتفاق بين تلك الأطراف بعد تصفية الحمدي على تقاسم مراكز القرار.

لكن بعد عقود من اغتياله يكون الحمدي قد حاول القضاء على الأفاعي التي رقص علي عبد الله صالح طويلاً لتنفيذ رغباتها، أثناء فترة حكمه وعند توليه السلطة حيث كان صالح يعتبر الحكم في اليمن، على أنه أشبه بالرقص على رؤوس الثعابين.

صالح هو من أعاد تلك الثعابين ورسخ وجودها، وأوجد نظام سياسي حكم به بعد اغتيال الحمدي يقوم على احتكار تمثيل السلطة والقوة والاقتصاد، في إطار قبلي محدد بعيد عن رغبة اليمنيين.

واتجه صالح لوضع الفوارق والامتيازات في الواقع اليمني السياسي والإجتماعي، وحدد القوة العسكرية لتكون تحت هيمنة القوة القبلية، وكانت القيادات العسكرية العليا كلها تنتمي لمساحة جغرافية محددة في إطار نظرة صالح المناطقية والعنصرية، التي ميزت نظام حكمه السيء سواءً بعد أن عزل العديد من المحافظات من التأثير والتوظيف أو منع تقلد سكانها المناصب العليا.

سيبقى حكم الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي هو الأنقى والأكثر قرباً من مطالب اليمنيين، كما أن هذا الرئيس المغدور سيظل صاحب المشروع الحقيقي للدولة اليمنية والوحدة اليمنية والتنمية، وتحرير الإنسان من استبداد تجار الحروب ولصوص السياسة والدين، وكذلك المهربين وذوي الخلفيات المرضية في الإذلال والقهر السياسي، والتجويع والمتاجرة بواقع اليمنيين قديماً وحديثاً.

••

عبد الرب الفتاحي – كاتب في صحيفة الإرادة

مقالات ذات صلة