حوار مع صديقي الساخط
لا تكاد تخلو أوقاتنا التي تدور ساعاتها إلى جهة اليسار من النقاشات الخجولة والجريئة حول بلادنا وسائر بلاد المسلمين، فتارةً نتحدث عن أشياء ما كان آبائنا ليفكروا في الكلام عنها وتارةً نحبّذ التوافق مع كفار قريش فنقول: (هذا ما وجدنا عليه آبائنا وأجدادنا) وما ذاك إلاّ من أعراض الإصابة بالتناقض الباطن فنحن نمارسه دون أن نشعر به ونعتبره أمراً طبيعياً مما يجعل عقولنا مهيئة وخصبة لاستقبال كافة أشكال التناقض الديني والاجتماعي والسياسي ..
وبالحوار المجرد نحاول أن نعالج تلك الأمور ما استطعنا إليه سبيلاً، فكلنا تجربة إنسانية تختلف عن الأخرى، فنظرتك تختلف عن نظرتي لشيءٍ ما في نفس الزمان والمكان والمعطيات. وفي إحدى المقاهي الشعبية دار حوار بيني وبين أحد الأصدقاء كعادتنا محاولين وضع الحلول لمعضلات بلادنا بشكل منطقي واقعي أو بشكل رومنسي خيالي، وهذا ما دار بيننا بعد التحية الطويلة والمتكررة والسؤال عن أحوالك وأحوال عائلتك عدة مرات:
صديقي: لا شيء يعجبني على هذه الأرض.
أنا: ما الذي لا يعجبك الأرض أم المجتمع أرجو التحديد.
صديقي: كلاهما.
أنا: ما أظلمنا للأرض، الأرض لا ذنب لها إلاّ نحن.
صديقي: إذن لماذا نحن هكذا؟ لماذا الكويت بتعداد سكان قليل وخيرات كثيرة وصلت إلى ما وصلت إليه من الانحدار؟
أنا: (بعد قهقهة طويلة) هذا أكثر سؤال أسمعه منذ طفولتي والكثير يجاوب عليه وسأكون كاذباً إذا قلت أنني فهمت إجابة واحدة أو اقتنعت بها.
صديقي: يا أخي لا أريد أن نكون من الدول المتقدمة فقط أريد أن نصعد إلى الهاوية فقد هبطنا تحتها بكثير.
أنا: وهل تتوقع أنّ البرامكة الجُدد سيسمحون بذلك.
صديقي: (تعال) كيف يتصرف هؤلاء في البلد .. لا تنمية إلاّ بهم، ولا غدوْ ولا رواح إلا بهم..
أنا: قاتلك الله أخفض صوتك هؤلاء أقوى منك ومني ومن … ومن …
صديقي: أنت وأمثالك من جعلنا في انحدار.
أنا: (بطريقة مجاملة سريعة لكي يغلق الموضوع) أجل اعترفلك أنا وأمثالي السبب.
صديقي: والواسطة أصبحت إلزام اجتماعي في كل شيء حتى في المعاملات العادية التي تستطيع أن تنهيها في دقائق لابد أن تسأل أحداً إنْ كان له معارف في أماكن المعاملات.
أنا: أتصدق أننا حتى في مطالبنا الشعبية نحتاج إلى واسطة كما قالها أحد الرفاق.
صديقي: والتقسيمات الطبقية والفئوية أغرقتنا.
أنا: (فقلت بحزنٍ كامل التكوين) مشاكل الاصطفاف الطائفي والفئوي الكل يريد حديث عنها ولا أحد يريد حلّها لأنها أرض وفيرة للتكسب.
صديقي: يا لعقولنا.
وقال بيتاً بتصرّف لا أعرف لمن هو ..
تجاهلت العقول صوت كفّي
كأني ما طرقت لهن بابا…
أنا: والله لا أدري ماذا أقول لك أو لا أريد أن أدري..
صديقي: والقضاء…..
أنا: (بعد مقاطعته) ما رأيك في الذهاب إلى مطعمنا المعتاد لتناول العشاء (وممازحاً إيّاه) أو حفلة العشاء الأخير.
صديقي: حسناً.
كأنه نسى ما سيقوله أو تناساه، وهكذا دواليك تبدأ أحاديثنا ثم تنتهي كما بدأت.
سعود علي الحربي ـ كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية
Twitter: @engels_kwt