الجفاف وسموم القات والحرب المستمرة في اليمن تهدد بالقضاء على وجود النحل
عبد الرب الفتاحي – الإرادة:
قرر معظم اليمنيون الابتعاد عن العمل في النحل وذلك بعد أن ظلوا لعقود يمارسون هذا المهنة، التي تتطلب قدراً من الصبر والتراحل ويرجع معظم النحالين ذلك إلى طبيعة واقع الحرب، الذي فرض عليهم ظروف زادت من الأعباء والمخاطر التي تحيط بهم، وهذا ما أدى في النهاية لتركهم الاهتمام ورعاية النحل.
برزت عملية اختيار الكثير من اليمنين للعمل في النحل، بعد أن زاد الطلب على العسل في السوق المحلية والخارجية في الاربعة العقود الماضية.
واجتهد اليمنيون المهتمون بالنحل خلال تلك الفترة، على تربيتها لمواسم معينة والقيام بعملية نقل متعددة لها داخل الأراضي اليمنية، وذلك للمحافظة على بقاءها، وكذلك الحصول على العسل والذي يتنوع بتنوع المراعي التي تتغذى عليها النحل.
في فترة الحرب الأخيرة تضرر العمل في النحل بشكل كبير، بعد أن زادت الأسعار لبعض المواد التي يعتمد عليها النحالون، وانقطاع الطرقات التي لم تعد سهلة، وغياب الدولة وهذا زاد من تكاليف تربية النحل بدرجة كبيرة.
ويرجع نحالون يمنيون تركهم للعمل في النحل للواقع الصعب الذي وصلوا أليه والذي خلق لهم صعوبات متعددة، ووجدوا خلالها الكثير من الأعباء والجهد، وهذا مادفعهم في النهاية إلى الابتعاد عن الاستمرار في الاهتمام بالنحل.
عمل شاق
يصف محمد علي جابر رعاية النحل في اليمن على أنها ليست بالسهل، وهو من الأنشطة التي تتطلب الصبر فالنحل وفق تعبيره تحتاج لمراقبة دائمة، والجلوس معها وتوفير الماء لها والقيام بكل ما تحتاجه.
وأهم طرق للمحافطة على النحل هو حمايتها من قبل النحالين، نظراً لحساسية وجودها وزيادة المخاطر التي تتهددها، كما أن نقص توفير ماتحتاجها أحياناً يجعلها مهددة بالفناء والضعف، وهي بمجرد أن تخسر ملكتها تتجه إلى الموت والتأكل وتعيش بسلوك غير منظم في خلاياها، ولا تهتم بالمراعي وتحاول التوزع في خلايا أخرى، لكن ذلك يؤدي إلى قتلها من النحل الأخريات.
ويرى محمد علي جابر الذي ـ كان بملك 500 خلية نحل ـ أن واقع الحرب في اليمن خلق الكثير من الصعوبات، والوضع لم يعد أمن وهناك أخطار كثيرة يتعرض لها النحالون.
وأضاف أن النحل لا تعيش في مكان واحد والذين يعملون على تربيتها يعيشون دائماً على نقلها لأكثر من محافظة في السنة وأن هذا النقل يساهم في الحصول على العسل اليمني ذات الجودة الكبيرة والمتنوعة، وكذلك الأشكال المختلفة من العسل الذي يكون مختلف في مذاقه وشكله عن بعضه البعض.
ويعتبر محمد علي جابر أن عملية نقل النحل تساهم في المحافظة عليها فبدون الغذاء والترحل للنحل، فلا يمكن للنحل أن تعيش وعندما تعيش في منطقة فقيرة دون أن تتوفر الأشجار والمراعي، فإنها تتعرض للمجاعة والمرض والموت.
أعباء ومخاطر
صالح عبد الله جازم نحال منذ “خمسة وعشرون عام“ تطرق لطبيعة العمل الذي يعيشه النحاولون والذي يكاد أن يكون مرهق وشاق، حيث تمر على مالكي النحل فترات طويلة دون أن يعيشون حياة طبيعية أو مستقرة.
وكشف صالح عبد الله عن دوافعه في ترك تربيته للنحل بعد أن ــ كان يملك 700 خلية نحل ـ وأرجع ذلك إلى صعوبة العمل، في ظل بيئة غير ملائمة خاصة في واقع الحرب التي زادت من الاعباء ،ووضعتهم في خوف دائم على حياتهم.
فقبل سبعة عشر عام بناء على ما تحدث به صالح عبد الله (لموقع الإرادة) كان العمل له نتائج إيجابية ولم تكن هناك ظروف صعبة تحد من تحركاتهم، فالنحل يحتاج لعملية مستمرة من توفير البيئة المناسبة حتى تكون عملية إنتاجه للعسل كبيرة.
وقال صالح عبد الله: “لا يعرف من يملك النحل الراحة هو يستمر في كل الظروف للمحافظة على مشروعه التجاري، المتمثل بالنحل ومن يختار هذه المهنة يحتاج للعسل الذي ينتج بكميات كبيرة والذي يتحدد وفق عدد مايملكه من خلايا”.
وأضاف أن السنوات التي سبقت أعمال العنف في اليمن ازدهرت عملية تربية النحل، وتوسع الناس في شراء اعداد كثيرة منها وكانت الحاجة تستدعي ذلك، فالمجتمع اليمني يحتاج للعسل كما أن الطلب عليه من الخارج كان واسع، وكان يتم تسويقه بشكل كبير لدول الخليج، ودول عربية وأجنبية وهذا تغير الآن.
العسل الأجود
تنتج النحل اليمني من أجود أنواع العسل على الإطلاق، ويتميز هذا العسل بالجودة والنقاء.
كما أن العسل اليمني يحتوي على كافة العناصر المهمة والغنية بالفتيامينات والطاقة، ويوجد العديد من أنواع للعسل اليمني منها عسل السدر أو العلب، وهو من أفضل أنواع العسل وأكثرها طلباً في اليمن وخارج اليمن.
ويعتبر هذا النوع ذات سعر مرتفع مقارنة بالأنواع الأخرى من العسل، ويوجد عسل آخر ويحتل المرتبة الثانية وهو العسل الصربي نسبة إلى شجرة الصرب، التي توجد في مناطق محددة في اليمن، مثل محافظة عمران ومديرية الحشاء في محافظة الضالع.
لون هذا العسل أبيض متجمد والأجود يكون له مذاق مختلف، من حيث طبيعة حلاوته التي تكون أكثر تماسك وجودته تكون كبيرة، أما النوع الثاني وهو الأقل جودة فهو إن صادف درجة الحرارة يكون في وسط القرورة أشبة بالسائل، وفي الأعلى يكون متجمد وطعمه يكون أقل لذة.
ويتوفر نوع آخر من العسل وهو الصال نسبة لشجرة الصال وهو ذات مذاق حار، ولديه قدرة كبيرة في تأثيره الشديد والقوي ويستخدمه اليمنيين للعلاج والتداوي.
كما تتوفر أنواع اخرى من العسل مثل عسل السُمر نسبة لشجرة السُمر! التي توجد في الكثير من المناطق الجبلية في اليمن، وهي شجرة محاطة بالأشواك الكبيرة والقوية ولها أوراق صغيرة.
كما يوجد عسل المراعي وهذا النوع من العسل يبدأ مباشرة بعد سقوط الأمطار، في فصل الصيف حيث تزهر الكثير من الأشجار ويقوم النحل بجمع العسل، من تلك أشجار مختلفة، ويكون سعر عسل السًمر متوسط في قيمته، بينما يكون سعر عسل المراعي الأقل سعراً.
سموم القات
أبرز رياض ناجي الفتاحي أحد أهم المشاكل التي تسبب في نفوق النحل، ويعتبر رياض أحد النحلين الذي امتلك مايقارب 200 خلية لكنها انتهت، بسبب الجفاق وقلة المراعي كما أن تكاليف نقل النحل أدت لخسارته كل هذا العدد.
وقال رياض: “السموم التي يقوم برشها مالكي مزارع القات أدت للقضاء على عدد كبير من النحل، فأنواع السموم التي يتم استخدامها لها تأثير كبير، ويقوم مزارعوا القات برش زهور الأشجار الصغيرة التي تتغذى عليها النحل، وهذا تسبب بموت عدد كبير منها.
وأضاف أن سموم القات أحد اخطر ماتتعرض له النحل، من مخاطر كون تلك السموم تقتل بشكل مستمر، طوال فاعلية تلك السموم
النحل في خطر
خبير النحل إسماعيل القاضي كشف أن النحل اليمني يعاني من حالة استنزاف لوجوده، بشكل مستمر مع غياب الوعي في المحافظة على النحل.
وقال إسماعيل القاضي: “الكثير من العاملين في مجال النحل يهتمون بالعسل أكثر من اهتمامهم بالنحل، وبمجرد حصولهم على العسل، يهملون رعايتها ويتركونها تتعرض للكثير من غياب الرعاية والأمراض”.
وأضاف أن النحل تحتاج لاهتمام أكبر بعد كل إنتاج تقوم به من العسل، حيث أنها بعد إنتاجها للعسل تكون ضعيفة ومنهكة لأنها تقوم بدور كبير يزيد من استهلاك طاقتها، وهي تقوم بجمع العسل بشكل هائل وتفقد الكثير من قوتها في هذه الفترة.
وتابع حديثه أن معظم النحالين في اليمن لا يقومون بمعالجة النحل من الأمراض ومواجهة ما تتعرض له من مشاكل، وأن الكثير منهم نظرته مادية ولا تقوم بشكل مسؤول بالاهتمام بالنحل اليمني، باعتبارها من الفصائل النادرة والجيدة والقوية والمنتجة.
وحذر إسماعيل القاضي من مخاطر السموم التي يستخدمها مزارعوا القات، حيث تقوم تلك السموم بقتل خلايا بأكملها وأحياناً تقوم النحل بنقل الرحيق لداخل الخلايا وتقتل بها بقية النحل.