قلم الإرادة

العراك السياسي .. والجمهور!

ككل بداية في أي عراك سياسي تبتدئ القصة بين الجماهير لمؤازرة أحد الأطراف السياسية ضد الأطراف الأخرى، ويكون النص في البداية: “مع احترامي لرأيكويأتي ذلك من باب الديمقراطية التي تتغنى بها كل الأطراف، وما أنْ تصل المعركة لخط معين حتى يتنافرالجمهور ويبتدئ بالطعن بالرأي الآخر متهماً إياه بعدم إيمانه بالديمقراطية وعدم احترام الوطن، وعندما نصل إلى هذه المرحلة فإننا نصل لمرحلة النار التي تأكل كل شيء جميل أمامها، وحينها تتبلور الأفكار وينطلق التنظير، وتُدشّن الخطابات، وتنطلق القصة، وتظهر الرمزية!

عندما قاد جمال عبد الناصر ورفاقه حربهم ضد الملكية وأسقطوها كان الناصريون يهتفون ليل نهار باسمه، ويضعون صوره على بيوتهم، ويصفقون لخطاباته الجماهيرية، ويؤمنون بأن عبد الناصر هو الناصر لهذه الأمة، وهو القائد الفذ، حتى أنّ بعض القوميين في الكويت كانوا يرونه الرجل المبجّل الذي لا يُخطئ، وكان كل هذا التمجيد قبل سنة النكسة في 1967م، وحتى قبل ظهور النكسة بشكلها الواضح كانت الجماهير تردد الانتصارات الكاذبة، وعندما خذلت الأمة انكشف الزيف وسقطت الصورة المبجّلة، فجاء الزعيم وخرج يريد العودة للشعب في خطابٍ جماهيري حزين فبكى أنصاره وطالبوه في البقاء، وظل الكثير معه رغم كل ما جرى مرددين بأنّ الانهزام كان من العرب الذين لم يتبعوه! وهو الذي ظل الطريق وكانت حروبه دماء العرب، فكانت حربه اليمن، وغاياته إسقاط الأنظمة الملكية العربية ونجح في بعضها ولم يجني لنا الناصر إلا الهزائم وكل تلك الدماء العربية منذ عقود حتى الآن، وعندما مات ماتت جماهيريته وبقت هزائمه مستمرة، وجزء من ذنوب الأمة على عاتقه!

وجاء لنا النور أنور بلا جمهور، فعبر خط سيناء واستعاد للأمة بريقها، فكّون قاعدته الجماهيرية، وأصبحت الأمة تهتف باسم السادات، حتى غنّى محمد عبده: “أسمر عبرودخل الفن في السياسة، وصفق الجميع حتى جاءت لحظة موته الجماهيرية عندما زار الأراضي الفلسطينية المحتلة مصافحاً أيادي الاحتلال، فقاطعوه ونفوه وشتموه!

وأما أولئك الذين كانوا يصفقون لهذا وذاك، فقد ماتوا وهم يتشاتمون ويتبادلون التهم، وورثوا لأبنائهم كل تلك الصراعات السياسية، والأحاديث المستمرة، ومن هذا المنطق أود أنْ أؤكد بأنّ المعارك السياسي تصنع الجماهير للتحزّب، وتولّد لنا الرموز، وعندما يتصافح الرموز بعد نهاية كل معركة ينتهي دور الجمهور الذي أضاع وقته بالتصفيق، وتبقى الترسبات، بينما يتعانق أهل السياسة على طاولة مستديرة، وعشاء فاخر أنيق، وتنتهي الحفلة بضحكات نرجسية وشعلة من أنواع السيجار الفاخر.

لا تكونوا ضحايا الجماهير؛ فالجمهور الذي يصفق لك اليوم يصفق لغيرك غداً، والجمهور الذي يصفّق لغيرك اليوم سيصفق لك غداً، والسياسيون الحقيقيون ليسوا هواة تصفيق، إنما هواة اقتناص فرص!

••

محمد العراده – رئيس التحرير

Twitter: @malaradah

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى