الفوضى الأمنية والمتربصون ورئيس الوزراء

التجمعات في ساحة الإرادة، أو المسيرات في الشوارع، أو تدويل القضايا المحلية في المنظمات الدولية، جميعها وسائل لا يترتب عليها مصلحة عامة بقدر الضرر العام الذي قد يترتب عليها، والأولى من هذه الوسائل هو الضغط على نواب الأمة المنتخبين، لاتخاذ مواقف صلبة تجاه حكومة صباح الخالد وإعلان عدم التعاون معها،
وعليه فإني أحذر من مغبّة النزول للشارع والتظاهر، وعندما أقول “مغبّة” بكل تأكيد لا أقصد عملية الاعتقالات أو الإحالات أو حتى
القيود الأمنية المحتملة، وإنما ما أقصده هو الدخول في حالة فوضوية أمنياً، قد تُعجز أجهزة الدولة عن ضبط وتأمين حدودها بسبب الإنهاك الذي قد يلحق أداتها الأمنية في ظل هذه الظروف الإقليمية والحدودية الخطيرة.
ولدينا مثال عملي على ذلك (خلية العبدلي):
حيث بدأت سلسلة الحراكات السلمية والمظاهرات في الكويت تقريباً بنهاية عام 2009م، ونشطت المظاهرات السلمية والمنهكة أمنياً بشكل متقطع منذ ذلك التاريخ وحتى منتصف عام 2012م، ومن ثم انفجر حراك شعبي عارم لمدة عامين تقريبا أي حتى عام 2014م، وقد نتج عن ذلك انخفاض كفاءة الجهاز الأمني في كل القطاعات الأخرى خلال تلك الحقبة الزمنية ليتمكن الجهاز الأمني من تركيز جهوده ورفع كفاءته أمام الحراك السياسي المحلي ليستوعب تداعياته الأمنية الداخلية.
وقد نجحت خلية العبدلي خلال تلك الحقبة على الأرجح من تهريب وتخزين متفجراتهم، والتي (تم ضبطها في شهر 8 / 2015م) أي بعد انتهاء نشاط الحراك السياسي بسنة واحدة تقريباً.
بمعنى أوضح:
خلال فترة إنهاك الأداة الأمنية الكويتية بالحراكات السلمية المحلية المذكورة أعلاه، تمكنت جماعة حزب الله الإرهابية من تهريب أطنان من المتفجرات والسلاح إلى دولة الكويت – هذا فقط ما تم ضبطه واكتشافه – فضلاً عن المخدرات والحبوب والخمور وغيرها من الممنوعات المهربة في تلك الحقبة سواء المضبوطة أو غير المضبوطة التي نجح بتمريرها المتربصون بنا نتيجة انخفاض كفاءة جهازنا الأمني في معظم القطاعات ذات الصلة والتي كانت سداً رادعاً ومعوقاً رئيسياً لعمليات التهريب والاختراق الغادرة.
وعليه لا يجوز الاعتقاد اليوم أن النزول للشارع حل لا يترتب عليه أضرار جانبية على أمن الكويت الوطني؛ بل أحياناً يكون الضرر أكبر بكثير من المنفعة المرجوة من الإصلاح السياسي والمالي والإداري، لذلك يجب إدراك هذه الحقيقة والتصرف بموجبها بما يمليه الحس الوطني لدى الأفراد المنتمين لهذا الوطن الخيّر.
وأختصر ما سبق ذكره بالآتي:
لا تجعلونا نصنع “فراغات أمنية” غير مقصودة بدافع الإصلاح السياسي، ليستفيد بالتسلل منها المتربصون بأمن الكويت من المنظمات والكيانات والدول المعادية.
ختاماً:
عند تحليل الصورة الشاملة للمشهد المحلي، فلا يمكن أن يغيب عن إدراك أي جهاز أمني أو مركز دراسات استراتيجية دولي معتبر، حقيقة كون (استمرار رئيسي السلطتين معاً):
1- إضرار مباشر باستقرار الدولة السياسي.
2- إضرار غير مباشر بأمن الدولة الاجتماعي.
3- يترتب على ما سبق ذكره إضرار بأمن الكويت الوطني.
وعليه فإن التداعيات السياسية الأخيرة، وانعكاساتها الاجتماعية، ومن ثم التداعيات السياسية الأخرى المتوقع ترتبها على الانعكاسات الاجتماعية الحالية، تجعل من مسار الأحداث ونهاية الطريق واضحيْن، ولذلك أنصح بعدم هدر وقت الدولة وإنهاك أجهزتها “بمناورات الخالد البرلمانية والسياسية والإعلامية” وأدعو أعضاء البرلمان إلى مقاطعة جلسة قسم الحكومة وعدم التعاون مع الخالد لدفعه للاستقالة ومن ثم التوصل إلى رئيس حكومة جديد يستعيد الاستقرار السياسي والاجتماعي بأسرع وقت ممكن، حيث لن يكون حصيفاً أن تدخل الكويت في حالة فوضى قانونية ودستورية واجتماعية وأمنية على صعيدها المحلي، في الوقت الذي يدخل فيه الميزان الإقليمي في حالة فوضى استراتيجية بشكل تصاعدي وسريع، والواجب اليوم هو إعادة ترتيب البيت الداخلي بإرساء ممارسة قانونية ودستورية وسياسية شبه توافقية على الأقل، لنتحنب أي سيناريو فوضى محلية يستفيد منه المتربصون.
••
عبد الله خالد الغانم – كاتب ومحلل سياسي
Twitter: @akalghanim11