قبل فوات الأوان

الاتصال للاطمئنان على صديق، كلمة “شكراً” لمن يقدم لك خدمة، لا تنسوا الابتسامة صدقة وعطاء وأمل ولا تكلف شيء ابتسموا للعامل الفقير، أسعدوه بكلمة تخفف تعب يومه وتنسيه ألم الغربة، الأب يمسح على رأس طفله، عطيه أو هدية لوالديك وإن كانت في عينيك قليلة والله ستجدها عظيمة من خلال أعين والديك، أعمال صغيرة وتأثيرها كبير.
الشيخ علي الطنطاوي – رحمه الله – يقول بكلمات مليئة بالمشاعر: “أحبّوا بعضكم فالفراق لا يعطي إنذاراً، واسألوا عن بعضكم فلا أحد يعلم متى ستكون آخر مكالمة أو لقاء وتحملوا بعضكم فإن كلمة “يا ليت” لن تعيد الذي رحل، وتذكروا كلمة طيبة في الحياة خير من قبلة على جبين ميت”، كلمات قليلة ولكنها عميقة سردها بعد تجارب وخبرات كبيرة في الحياة.
وحكاية الفلاح العجوز الذي حمل زوجته المريضة في المقعد الخلفي من العربة التي يجرها حصان هزيل، حملها إلى المدينة البعيدة لعلاجها وفي الطريق الطويل بدأ الرجل يتحدث ويفضفض كأنما يناجي نفسه، ولكنه في الوقت نفسه يواسي زوجته المريضة، التي عاشت معه طوال أربعين عاماً في شقاء وبؤس ومعاناة تكد وتكدح وتساعده في الحقل وتتحمل وحدها أعباء البيت.
وفي هذه اللحظات أحس أنه كان قاسياً معها طوال السنوات الماضية وأن عليه الآن أن يعاملها بلطف ولين وأن يسمعها الكلمات الطيبة وقال لها إنه ظلمها، وأن الحياة أيضاً ظلمتها؛ لأنه لم يجد الوقت في حياته اليومية ليقول لها كلمة طيبة حلوة وعذبة، أو يقدم لها ابتسامة صافية رقيقة كالماء أو يعطيها لحظة حنان!
وظل الرجل يتحدث بحزن وأسى طوال الطريق والكلمات تحفر لها في النفس البشرية مجرى كما يحفر الماء المتساقط على الصخر خطوطاً غائرة ليعوضها – بالكلمات – عما فقدته خلال الأربعين عاماً الماضية من الحب والحنان ودفء الحياة الزوجية وأخذ يقدم لها الوعود بأنه سوف يحقق لها كل ما تريده وتتمناه في بقية عمرها.
عندما وصل المدينة نزل من المقعد الأمامي ليحملها من المقعد الخلفي بين ذراعيه لأول مرة في حياته إلى الطبيب وجدها قد فارقت الحياة كانت جثة باردة منذ وقت طويل ماتت بالطريق ماتت قبل أن تسمع حديثه العذب الشجي!!
حكاية العجوز تختصر الكثير (أخ يا ليتني عملت كذا وكذا)، لا جدوى من الأشياء بعد فوات الأوان، لا تؤجل الأشياء الجميلة، فمن أعتاد على توزيع الورد فسيبقي شيء من العطر بيده أفعل الخير ولا تستصغره سيصلك أثره ولو بعد حين، ما أسهل الكلمات والعبارات والأهم نعود أنفسنا على التطبيق قبل فوات الأوان.
••
عبد العزيز الدويسان – كاتب في صحيفة الإرادة
Twitter: @aziz_alduwaisan