أنا وأنت
من أكثر الأسباب التي أدت بنا إلى الانحطاط الذي نعيشه الآن من جميع الجوانب هو أننا نقول ما لا نفعل و نَدّعي ما لا نريد ولا نحب وهذه حقيقة مُرة يجب أن نقتنع بها، فقد أصبحنا نبتسم لمن لا نود وإن كانت الابتسامة صدقة، نصاحب من لا يؤتمن، نخضع لمن لا يُحترم، نتملق لمن لا نحب، نقتني ما لا نحتاج، ندخر ما لا نستعمل، نبخل بما نملك، نجود بما لا نملك، نحب ما يضرنا، نكره ما ينفعنا ونضيع وقتنا في ما لا نستفيد، عجيب أمرنا حقاً!!
فمثلا ندعي الإسلام ونحن نمد للغرب تلك الصورة التي ترضيهم هم فقط ولا ترضي ربنا ولا أنفسنا لماذا لا أعلم؟ وبطبيعة الحال فأنا لا أقصي نفسي أبداً فحتى أنا فرد من أمتي أفتخر بهويتي ولغتي أحقاً هذا أم مجاملة مني!؟ ولماذا أستعمل اللغة الإنجليزية أو غيرها وأبدي احتراماً كبيراً لمن يتحدث بها أكثر من العربية إذن!! عجيب حقاً!! ومثير للسخرية أيضاً وبالنسبة لهويتي أعتز بها فعلاً لكن لماذا أنا مهووس بالديمقراطية اليونانية وبالحضارات الغربية والثورة الفرنسية وما قدمه آينشتاين للفيزياء!؟ ولماذا أحتفل بعيد ميلاد رأس السنة؟ عجيب حقاً!! ربما لقد تم غسل عقلي؟ ربما ولما لا!! فكل شيء ممكن.
ندعي أننا لا نسكت عن الحق وهناك من يختلس المال العام ويمارس كل أنواع الفساد الممنهج تحت مرأى أعيننا.
ندعي الإنسانية والحب و السلام وننبذ العنصرية وبمجرد سوء تفاهم مع شخص أسود أو غيره ننعته بالزنجي الغبي فعلاً هذا عجيب!! لكن لا علينا ربما بسبب الغضب؟ حقاً الغضب؟ وهل الغضب مبرر أن تتعدى على مبادئك وتنتهك حقوق الناس؟ عجيب حقاً! و كل يوم نردد ألا فرق بين عربي وأعجمي وعلى النقيض من ذلك أول شيء نسأله عن شخص “ما هو أصله” عجيب حقاً! ندعي أننا أمة تحب العلم والازدهار وأن مكانة الإنسان في المجتمع تبنى على أخلاقه وعلمه وأول شيء نركز عليه في الفرد كم لديه من المال والسلطة! وبمجرد التعب القليل والإرهاق بسبب امتحان معين ننهال بالشتم على التعليم وعلى أم التعليم وليذهب العلم والتقدم والازدهار للجحيم!! عجيب حقاً!!
ندعي إيماننا بالاختلاف وحرية الرأي والتفكير وبمجرد اختلاف شخص معنا في الرأي ننبذه ونحقد عليه!! نتظاهر بالتحضر والعصرنة وبمجرد الانتهاء من السيجارة الأخيرة التي دخناها في ساحة الحديقة الممنوع التدخين فيها نرمي العلبة في أي مكان المهم راحة البال عجيب حقاً!! نبدي كافة احترامنا وتقديرنا للمرأة والمرأة لا تمشي في شارعنا دون أن يتحرش بها واحد على أقل تقدير وما خفي أعظم!! فعجيب أمرنا حقاً!! فمتى متى نصحو من النوم العميق؟ إننا في ذيل الأمم.
كثيراً ما نزعم الكمال والمثالية والفضل في الأشياء؛ ولا نصدق مع أنفسنا إلا في مناسبات قليلة؛ ثم أننا نحاول إسقاط ما بداخلنا وما نعاني منه على الآخرين سواء في الكتابة أو في مجالات الحياة الأخرى.
ولنأخذ الكتابة نموذجاً؛ فالكتابة هي صورة من صور معاناة المجتمع في كل نواحي الحياة؛ وهناك مقالات لا حصر لها والتي تطرح العديد من القضايا؛ وتحمل وجهات نظر معينة قد تكون صحيحة أو غير صحيحة؛ ومهما يكن الأمر فإننا لا نستطيع الفصل بين الكتابة أو ما هو مكتوب وبين الكاتب؛ إذ أن الكتابة هي مرآة للكاتب في أغلب الأحيان.
في كتاباتنا نزعم التمام أو الكمال؛ ونصور أنفسنا على أننا حكماء وواعظين؛ ننتقد الآخرين ونتناسى أنفسنا؛ نكتب عن الصدق والكذب والنفاق والمجاملات والأمانة والضمير؛ نكتب عن بر الوالدين وصلة الأرحام؛ نكتب عن التلون والنفاق؛ نكتب في كل الأشياء، وكل الكتابات التي تنتقد سلبيات المجتمع يجمعها رابط واحد؛ هو أن الكاتب بغض النظر عن شخصه هو إنسان على درجة عالية من الوعي والكمال؛ ومن المستحيل أن يعترف إطلاقاً بأن القضية التي يعالجها أو يطرحها هو واحد ممن يعانون منها أو واحد من المصابين بها؛ إذ أننا في الكتابة نوجه الاتهام للآخرين في الوقت الذي قد نعاني فيه نحن من أعراض ما ننكره على الآخرين بدرجة أخطر وأشد منهم.
القارئ هو الأصل في وجود الكاتب؛ وإلا فلمن يكتب؛ القارئ هو الأساس ولا يجوز بأي حال استغفاله أو محاولة اتهامه بالجهل وعدم الوعي والإدراك والاستعلاء عليه بأي صورة أو شكل.
النقد سهل ومن أسهل الأمور التي قد نمارسها في حياتنا؛ لكن الصدق مع النفس والاعتراف بالخطأ أو الأخطاء أمر تأنفه الأنفس كثيرا وترفضه؛ فالطبيب أحياناً قد يكون بحاجة إلى المداواة أكثر من المريض نفسه.
عذراً أطلت عليكم في كتابتي، فأنت عزيزي القارئ ما أصبو إليه لعلي أفيد وأستفيد منكم.
••
سامي بن أورنس الشعلان – كاتب في صحيفة الإرادة
Twitter: @soalshalan
Email: sshalan@alerada.net