قلم الإرادة

كورونا وما بعدها

مع انتشار فيروس كورونا، بدأ تغيير جذري على الأصعدة الاقتصادية والسياسية والفكرية والاجتماعية، ولن ينتهي مع انتهاء الفيروس.

إن هذه الأزمة غير مسبوقة لأنها المرة الأولى التي تخاف فيها البشرية كلها من الشيء نفسه وفي الوقت ذاته، وستكون لهذا عواقب دائمة، أكثر كثافة وعالمية.

على الصعيد الاقتصادي، نجم عن الإغلاق انكماش كبير لم يحدث منذ الكساد الكبير الذي أدى إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية. سياسياً، نحن أمام مرحلة قد تؤدي إلى تبلور نظام عالمي بقوى جديدة متعاونة أو متنافسة، لكن ليس بالضرورة متناحرة، ما قد يولّد شكلاً جديداً من العلاقات والتحالفات بين الدول.

أما اجتماعياً، فالتغيير يتجسّد في أشكال العلاقات الإنسانية الجديدة بين البشر بعد العزلة والتباعد الاجتماعي. بالإضافة الى أن من تجاوزوا الخمسين هم الأكثر حكمة والأكثر عرضة للموت ومن هم في سن الشباب أقل عرضة للموت وأكثر مقاومة للفيروس. تخيّلوا شكل عالم مليء بالطاقة والمعرفة لكن بلا حكمة. سيسود حينها منطق العبثية والفوضى والتفلّت من القيود.

ستنجو الإنسانية من هذه المحنة، كما نجت في السابق من الطاعون والانفلونزا الإسبانية وغيرها من الأوبئة، والفرق اليوم هو في أننا نعيش في عالم مترابط للغاية، حيث لم يكن السفر يوماً متكرراً وسهلاً كما هو الآن – وخلافًا لنا نحن البشر الفيروس ليس بحاجة لجوازٍ أو وثائق سفر للانتقال عبر الحدود.

لماذا؟ يُفترض أن يكون العالم ما بعد هذا الوباء بالضرورة مختلفاً عما كان عليه قبله؟ ما الذي تغير؟ صحيح أنه بالإمكان أن يقوم هذا الادعاء على استقراء لتاريخ الأوبئة، كأن يقول القائل بأن كل الأوبئة غيرت معالم الدنيا، وأرست دعائم أنظمة حضارية وعلاقات دولية جديدة. لكن يصعب على المؤرخين إثبات أن البشرية أثناء الأوبئة السابقة كانت – وهي تحارب من أجل البقاء – تحتكم ما لا نحتكم إليها اليوم.

عندما نتامل قليلاً نجد أننا في الحجر الصحي الذي نعيشه اليوم -اتقاءً للإصابة بفيروس كورونا – لا نطلب إلا شيئين اثنين: سلّة غذائية تضمن لنا الأكل والشراب، ووسائل التواصل مع العالم الخارجي، بمعنى آخر الإنترنت ولوازمه. وكأننا بالحجر المفروض على العالم، إذ يقوي دعائم التواصل عن بعد، والتعليم عن بعد، والعمل عن بعد، إنما يقوض ما تبقى من أسس الفضاء العمومي الديمقراطي التقليدي، تقويضاً قد يسهل معه التمكين لاستراتيجية السوق الافتراضي في عالم الغد.

أخيراً يقاس نجاح أى دولة بحُسن إدارتها للملفات والأزمات التى تواجهها، نجحت السعوديه والكويت وبـ «امتياز» في إجراءاتها الوقائية منذ بداية الأزمة في وقت يجتاح العالم فيه فيروس «كورونا»، إذ استغلتا مكامن قوتهما ووظفتاها بجدارة.

••

سامي بن أورنس الشعلان – كاتب في صحيفة الإرادة

Twitter: @soalshalan

‏Email: sshalan@alerada.net

مقالات ذات صلة