المظلوم والظالم

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْهُ قَال: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :”قَبْلَ السَّاعَةِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ، يُصَدَّقُ فِيهِنَّ الكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهِنَّ الصَّادِقُ، وَيَخُونُ فِيهِنَّ الأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الخَائِنُ، وَيَنْطِقُ فِيهِنَّ الرُّوَيْبِضَةُ”، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ : وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ ؟ قَالَ : المَرْؤُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِى أَمْرِ العَامَّةِ.
الملاحظ أن الميديا الإعلامية سواء كانت مقروءة أو مرئية فيجد من يتكلم فى السياسة وهو لا يعلم شيئاً عنها فلا دارس لها ولا خبير بها وكل ما يؤهله لهذا الكلام طريقة كلامه وسلوكه، ونجد من يتكلم في الدين وهو لا يفقه شيئاً، وكذلك نجد من يتكلم فى مستقبل البلاد والعباد ولا أهل له من هذا لكلام، فأصبح الممثل والراقصة، واللاعب يتكلمون فى الدين والسياسة، والصحفي يفتي ويحرم، وضيوف تظهر وضيوف تختفي، فهذا خبير استراتيجي وهذا مفكر إسلامي، وهذا محلل سياسي، فيتكلمون في سطحيات الأمور، والطامة الكبرى أن العامة يصدقون، وأصبحوا يحتلون عقول البشر، وتبوأ مقاعد العظماء والمشاهير، ويتم وصفهم بالنخبة، وغزوا ميادين العمل الاجتماعي، في الوقت الذى ينزوي الأخيار عن الساحة، أو يفرض عليهم الإقصاء، ويصبح أهل الحقّ قابضين على الجمر، يُحارَبون من أقرب الناس إليهم، ولا يجدون على الحقّ أعواناً. وتنقطع الجسور بين أولى العلم والبصيرة بدين الله، والغيرة على حرماته، وبين هؤلاء من أولي الظلم والقهر، الذين يمسكون بزمام الأمور، فلا يبقى بينهم إلاّ التنازع والصراع، الذى ربّما يخفت تارة، ويتأجّج تارة أخرى، وتكثر الخروق فى سفينة المجتمع وتتّسع، فلا يكاد أهل الحقّ يعالجون أمراً حتّى تفجأهم أمور لا تخرج إلا من سفهاء تمغص القلوب وتنشر الضلال وتخيب الآمال، ولذا أصبحنا فى مجتمع تتناقض فيه الأشياء، ويتخبط فيه الناس، وتكثر فيه الفتن، ويعلوا فيه التافه، ويدفن فيه العالم، يقوده الجاهل، ويخطط له ويحترم فيه الفاسد والناهب، ويصبح المال هو السيد، أيا كانت مصادره، ودوافعه، ولهذا وصل بنا الحال أن أصبحنا فى ذيل الأمم، ومستنقعات المجمتعات، والأمراض تنهش أجسادنا، والغلاء يُسم ظهورنا، والخيانة أسلوب حياتنا، والكذب منهاج بيننا، فلا تربية ولا مدارس، ولا صناعة ولا تجارة، وإنما عندنا الكثير من الفسد والفساد، فلا يوقر الكبير، ولا نعلم الصغير، الكل يغنى على مولاه كما يقولون أهلنا البسطاء، فضاعت التقاليد، واندثرت المبادئ، وانقرضت القيم.
عن أبي ذر الغفاري – رضي الله عنه – عن النبي – صلّى الله عليه وسلّم – فيما يرويه عن ربه عز ّوجلّ أنّه قال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا…).
الظلم هو من أسوأ الذنوب التي قد نقوم بها في حياتنا، كما أعدّ الله سبحانه وتعالى عقاباً كبيراً للظالم المبتغي على حقوق الناس، سواء أكان ظلمه بالقول أو الفعل، فسيأتي يوم ترى فيه الظالم وقد شرب من نفس الكأس، وذاق مرّ أفعاله، نضع لكم هنا بعض ما قيل في الظلم، عافانا الله وإياكم.
في هذه الأزمة التي تمر على الأمة العربية والإسلامية انكشفت الأقنعة عن الوجوه فنكشف الماكر والظالم الذي كان يلبس قناع الفضيلة والاحترام وظهر الطاهر والكريم الذي كان يعمل لوجه الله دون أن ينتظر شكراً من أحد.
هناك عادة تسمّى (الفزعة) والفزعة عند أهل الكويت؛ تعني المبادرة بخدمة الآخرين وقت الحاجة، والوقوف عند الشدائد، وتعبر عن موقف رجولي وإنساني نبيل؛ ليس من أجل مقابل أو مصلحة، بل هي خدمة إنسانية بدون مقابل ومن هولاء رأيت رجال يعملون ليل نهار يداً بيد مع حكوماتهم للعمل الإنساني والخير وهم كثر لا يسعني في هذا المقام أن اكتب أسماؤهم جميعاً سأختصرها باسم أتشرف في متابعته لجميل خلقه ونقاء لسانه وكرم روحه ألا وهو أسامة القصار الذي اتهم بعمل الخير نعم أقول اتهم بعمل الخير هو وزملائه المشاركين في جمعية السلام، فاتهموا أنهم عملوا لمصلحتهم الشخصية ومنفعتهم المادية وأنا من خلال متابعتي لهم أجزم بغير ذلك فخاطر بصحتهم وعملوا بجهد وسهروا الليل لمصلحة الكويت وأهلها والمقيمين بها، ويأتي حاسد غيور حاقد أعمى البصيرة يشكك في عمل الخير وتعب الكريم، فلهم أقول جزاكم الله خيراً وجعلها الله في ميزان حسناتكم فستجدونها عن رب كريم.
إخوتي وأخواتي إنها أشهرٌ حرم، حرَّمها الله ولم يحرمها الناس، فالتزامُ فرائضِ الله فيها أوجب، وانتهاكُ محارمِه فيها أقبح، وإن كان ظلم النفس في سائر الشهور محرماً، فحرمته في الأشهر الحرم أعظم، وإذا كان العبد مأموراً أن ينظر إلى عِظم من عصى في عامة دهره؛ فإن معصيتَه فيما عظم الله حرمته من الزمان والمكان أشد نُكْرا، وأضلّ سعياً.
الظلم أصل كل شر، وهو ظلمات يوم القيامة، ينشأ عن ظلمة القلب وقسوته، ويجلب غضب الرّبّ وسخطه، ويؤول إلى استعجال الدمار والهلاك والذلة والمهانة، وقد حرمه الله على نفسه وجعله بين العباد محرماً، (وقد خاب من حمل ظلماً)، (ومن يظلم منكم نذقه عذاباً كبيراً). وتتأكّد حرمة الظلم في الأشهر الحُرُم؛ فقد أكّد الله ذلك بقوله: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم).
••
سامي بن أورنس الشعلان – كاتب في صحيفة الإرادة
Twitter: @soalshalan
Email: [email protected]