بريطانيا والانسحاب من الاتحاد الأوربي

بدأت بريطانيا في الانضمام إلى التكتلات الأوربية في أغسطس 1961، عندما تقدم رئيس الوزراء البريطاني “هارولد ماكميلان” بطلب للانضمام إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية، وعندما طرح الترشيح أمام المجموعة للمصادقة عليه، اعترض الرئيس الفرنسي الجنرال “شارل ديغول” فالبداية ، ولَم تتمكن من الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية إلا في يناير 1973، وبعد عامين أجرى رئيس الوزراء “هارولد ويلسون” استفتاء على البقاء في التكتل أو الخروج منه، وصوت البريطانيون بنسبة 67 بالمئة مقابل 33 بالمئة لصالح البقاء داخل الاتحاد.
وبعد وصول “كاميرون” إلى رئاسة الوزراء تعهد بإجراء استفتاء على “البقاء أو المغادرة” بناء على اتفاق أعيد التفاوض عليه بشأن عضوية الاتحاد في برنامج حزبه لانتخابات عام 2015، وقال “كاميرون” إنه راض لأن المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي منحت بريطانيا ما يكفي كي يدعم التصويت “بالبقاء”، لكن على الرغم من أن أكبر الأحزاب البريطانية دعمت حملة البقاء في الاتحاد، فقد صوت الشعب لصالح المغادرة بنسبة 52 بالمئة مقابل 48 بالمئة فى 23 يونيو عام 2016.
كان هناك مجموعة من الأسباب دفعت الشعب البريطاني نحو اتخاذ هذا القرار، فقد كان يتخوف من سيطرة دول منطقة اليورو الـ(19) على مجريات اتخاذ القرار في الاتحاد الأوروبي، والتذمر من الرسوم الأوروبية التى كانت تثقل كاهل خزينة بريطانيا، كما أن البريطانيون كانوا يرون أن نظام الاتحاد يفتقر إلى الديمقراطية المعمول بها فى النظام البريطانى، والخوف من الإرهاب دفع المواطن البريطاني إلى التفكير في أن الانفصال عن الاتحاد الأوروبي سيوقف اتفاقية الحدود المفتوحة بين دوله، ومن ثم يحول دون مجيء الإرهابيين إلى بريطاني، بالإضافة إلى المخاوف من انضمام تركيا للاتحاد، وقد دفعت هذه المخاوف البريطانيين للتصويت لصالح الانسحاب من الاتحاد.
إثر هذا القرار استقال “كاميرون” في الصباح التالي ليوم الاستفتاء وحلت “تيريزا ماي” محله، وفي مارس 2017 تم تحديد الموعد الرسمي للخروج من الاتحاد يوم 29 مارس 2019 سواء باتفاق أو بدونه.
وفي يوم 13 نوفمبر 2018م توصلت “ماي” إلى اتفاق على بنود انفصال بريطانيا مع زعماء الاتحاد الأوروبي، لكن خطتها لقبول القواعد الجمركية للاتحاد الأوروبي على السلع مع إنهاء حرية حركة الأفراد في الوقت نفسه أثارت انتقادات من نواب البرلمان المؤيدين للبقاء في الاتحاد والمناهضين له على حد سواء من حزبها، ومن الحزب الديمقراطي الوحدوي ومن المعارضة.
ومع قرب بدء العد التنازلي في المئة يوم الأخيرة قبل الانفصال عن الاتحاد ما زالت بريطانيا لا تعلم الشروط التي ستغادر على أساسها التكتل، وما إذا كانت “ماي” ستشهد الخروج وهي في السلطة أم ستضطر لإرجاء أو إلغاء عملية تفعيل المادة 50.
لكن الأكيد أن بريطانيا ستعاني من أزمة حقيقية، فالخروج سيحرر بريطانيا من سقف العجز المفروض من قبل بروكسل عند 3% من الناتج المحلي الإجمالي، والسقف المحدد للدين العام عند 60% من الناتج المحلي الإجمالي ومن مراقبة المفوضية الأوروبية، ستفقد المؤسسات المالية “جواز السفر” الذي يسمح لها ببيع خدماتها المالية إلى الدول الثماني والعشرين في الاتحاد، وبعض البنوك والمؤسسات المالية الكبرى كانت قد قالت إنها ستنقل قسما من نشاطها خارج بريطانيا، كما أن انسحاب بريطانيا قد يفتح الباب أمام تفكيك المملكة المتحدة لوجود الرغبة لدى الاسكتلنديين تنظيم استفتاء للانفصال مما يقلل نفوذ المملكة، وكذلك إعلان – حزب الشينفين – دعوته لاستفتاء لتوحيد أيرلندا.
أما الاتحاد الأوروبي فلن يعود كما كان، فقد فقد قوة نووية صاحبة مقعد دائم في مجلس الأمن، وأصبح كياناً بقوة نووية واحدة تحيط به قوتان نوويتان عند الأطراف، بريطانيا العضو السابق، وروسيا الخصم اللدود، إضافة لفقدانه امتداده استراتيجي عبر الأطلسي بفقدان دور بريطانيا المحوري في الربط بين بروكسل وواشنطن.
**
شباب عبد الله الهاجري – كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية
Twitter: @ALrashedshbabb