قلم الإرادة

الكويت وقضايا الخليج العربي

منذ استقرار “آل صباح” فى الكويت خلال النصف الأول من القرن الثامن عشر، انتهج “آل صباح” سياسة سلمية تجاه الدول والمشيخات المجاورة، فقد كانت سياسة “آل صباح” الخارجية سياسة سلمية، ولم تقم الكويت بأية محاولة توسعية على حساب جيرانها، واكتفت بمواجهة الأخطار التى تهدد استقلال الكويت.

وأظهرت الكويت في أكثر من مناسبة أن التزامها بالحياد لا يعني ضعفها، وأنها ملجأ وحصناً منيعاً ضد هجمات المعتدين، ومهما كانت الظروف فإن شيوخ الكويت قد حرصوا على التمسك بمبادئ العروبة والأخوة، لا يستجيرُ بهم أحداً إلا أجاروه ونجدوه، ولو وصل الأمر بهم إلى الدخول فى صراع مع القوي العظمي فى المنطقة، وقد ظهر ذلك في أكثر من مناسبة، ففي عام 1787 قام ” مصطفي آغا” متسلم البصرة ومعه الشيخ ” ثويني” بالتمرد ضد حكم ” سليمان باشا” والي بغداد، ونتيجة لذلك أرسل ” سليمان باشا” حملة عسكرية على البصرة، وألحقي الهزيمة بقوات ” مصطفي آغا” و الشيخ ” ثويني”، وعلى إثر ذلك هرب ” مصطفي آغا” و الشيخ ” ثويني” وكثيرون ممن اشتركوا فى التمرد على الباشا إلى مدينة الكويت لاجئين إلى الشيخ ” عبد الله الصباح”، الذي قبل لجؤهم ورفض تسليمهم إلى باشا بغداد، على الرغم من تهديد باشا بغداد بمهاجمة الكويت إذا رفض حاكمها تنفيذ الطلب، إلا أن الشيخ “عبدالله” رفض هذه التهديدات، وأبدي استعداده لقتال الوالي فى سبيل حماية ضيوفه.

إلا أن ” مانيستي” رئيس الوكالة البريطانية فى البصرة نجح فى التوسط بين الجانبين فأقنع الباشا بالعدول عن إرسال الحملة، كما أقنع الشيخ ” عبد الله” بالسماح للاجئين بالخروج من الكويت إلى نجد، لتجنب الصدام مع باشا بغداد.

وخلال سنوات الحرب العالمية الثانية عندما انقطع وصول السفن التجارية الأوربية إلى المنطقة نظرا للقيود التى فرضت على النقل البحري نجح أسطول السفر الشراعي فى إبعاد شبح المجاعات عن الكويت والعديد من دول الخليج وبعض الموانئ اليمنية الجنوبية، وخلال سنوات الحرب كانت تتوقف بعض السفن الكويتية فى بعض البنادر على ساحل فارس لتقديم العون لسكانها بعد أن أصابهم الجوع والعري.
استمرت الكويت فى تعزيز تعاونها مع دول الخليج، واتسع نطاق الدعم الكويتي لإمارات الخليج فى عهد الشيخ “عبد الله السالم”، ففي عام 1953 أرسل بعثة خاصة إلى الإمارات العربية للتعرف على احتياجاتها فى كافة المجالات بداية من الخدمات الطبية، وعقب استقلال الكويت في عام 1961م أسهمت الكويت فى فى دعم إمارات الخليج، ففي عام 1962 ساهمت الكويت فى إنشاء المستشفى المركزي بدبي، واسست مستوصف الكويت بالشارقة فى يناير 1963، ومستوصف الكويت بعجمان فى 19 يناير 1963، ومستوصف الكويت بأم القوين فى 11 فبراير 1963، ومستوصف الكويت برأٍس الخيمة فى 12 فبراير 1963م، كما قامت الكويت بإنشاء 37 مدرسة للمراحل التعليمية المختلفة وزودتها بالمعلمين والمعلمات والموظفين والكتب والأدوات المدرسية وملابس الطلاب ووجبات غذائية يومية.

وقامت الكويت بعد استقلالها بدور الوسيط لتسوية النزاعات الخليجية –العربية، منها قيام الكويت بالوساطة بين مصر والسعودية لحل الصراع الذي ظهر بين الدولتين في اليمن منذ عام 1962، فقد زار رئيس الوزراء الكويتي حينها الشيخ “صباح السالم” الرياض في 1965، واجتمع مع الملك “فيصل بن عبدالعزيز آل سعود” لبحث الأزمة في اليمن، كما استضافت الكويت في عام 1966 اجتماعات بين الأطراف المصرية والسعودية واليمنية، وفي نهاية الستينات أسهمت الكويت بجهود وساطة لحل قضية مطالبة شاه إيران بالبحرين والتي انتهت بإجراء استفتاء شعبي واستقلال البحرين في عام 1971.

وبعد تأسيس مجلس التعاون الخليجي كان للكويت دوراً رئيسياً في حلِّ الأزمة التي ظهرت بين دول المجلس والدول العربية الأخرى، فأسهمت فى حل النزاع بين اليمن الجنوبي وعُمان؛ حيث استطاعت أن تتوصل إلى اتفاق أنهى الأزمة بين الطرفين وتم توقيعه في دولة الكويت في أكتوبر 1982، كما لعبت الكويت دورًا مهمًّا في إعادة العلاقات التي قُطعت لأكثر من عام بين ليبيا والمملكة العربية السعودية في عام 1982م.
كما قامت الكويت بالوساطة فى الخلاف بين السعودية واليمن الديمقراطي، و بين السعودية والإمارات، وقام الشيخ “صباح: بالتوسط بين الإمارات وعُمان في الأزمة التي ظهرت بين البلدين في عام 2009، وتوسط أيضاً لحل الأزمة الخليجية في عام 2014، بعد قيام السعودية والإمارات والبحرين بسحب سفرائها من قطر.

وبعد تكرر الأزمة السياسية بين السعودية والإمارات والبحرين من جانب، وقطر من جانبٍ آخر فى عام 2017م، وقيام الدول الثلاث بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وفرض حصار اقتصادي عليها وشنِّ حملة إعلامية واسعة تقوم على أساس اتهام قطر بتمويل الجماعات الإرهابية في المنطقة، بادرت الكويت إلى القيام بجهود وساطة تهدف إلى إيجاد تسوية لهذه الأزمة؛ حيث قام أمير الكويت الشيخ “صباح الأحمد” بزيارة الرياض وأبو ظبي والدوحة من أجل تقريب وجهات النظر بين أطراف الأزمة.

وصرح أمير الكويت الشيخ “صباح الأحمد” بقوله: “صعب علينا، نحن الجيل الذين بنينا مجلس التعاون الخليجي قبل 37 عامًا، أن نرى بين أعضائه تلك الخلافات والتي قد تؤدي إلى مالا تُحمد عقباه.. وليس سهلًا على من هو مثلي عندما يكون حاكمًا أن يقف صامتًا دون أن يفعل كل ما باستطاعته للتقريب بين الأشقاء وهذا واجب لا أستطيع التخلي عنه”.

وما زالت الكويت تسعي جاهدة لإنهاء الأزمة بين الأشقاء العرب، وأكد على ذلك أمير الكويت خلال اجتماع قمة مجلس التعاون الخليج المنعقدة حالياً.

فالكويت كانت ولا زالت صمام الأمان فى المنطقة، ولو وقفت الكويت بجانب أي من الطرفين لسقط مجلس التعاون الخليجي، وسقطت المنطقة فى نزاعات لا يُحمد عقب.

 

**

شباب عبد الله الهاجري – كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية

Twitter: @ALrashedshbabb

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى