الصعود إلى الهاوية

يشهد المجتمع استغلالاً غير مسبوق لقضايا تحدث في أيّ دولة وليست حكراً على المملكة العربية السعودية، الوطن العامر بخيراته دائماً وأبداً بإذن الله، لكنّ المتربّصين بأمننا والمرجفين.. يطيرون فرحاً لكلّ شرٍ وينالون منا، ومن بين كلّ القضايا التي نواجهها باستغرابٍ واستنكار، تخرجُ لنا قضيةٌ ملمّعة، وبيني وبينكم هي قضيّةُ مَن لا قضية له هذه الأيام، قضيّةٌ تُضيف للمطالبين بها لباس الفهم والانفتاح وهو وهمٌ بالتأكيد، وتنزع عن المعارضين لها ثوبَ الثقافة وسوء فهم الدين والتشدد، وهو ما لا يصحّ أيضاً.
الموضوع برمّته لا يتجاوز “إسقاط الولاية” واستغلال قضايا التعنيف الأسريّ لإثارتها والمطالبة بإسقاطها، فكم هاشتاقاً رأيناهُ يتصدّر “الترند” في تويتر، وكم من المناوشات شهدنا رحاها تطحنُ عقول المراهقين بين مؤيدٍ ومعارض، فذلك يقولُ أنّ إسقاط الولاية مطلبٌ لأنّه ليس من الشرع في شيء وإنما هي عادة، والآخر يقولُ أنّها الشرعُ وليس الشرع متشدداً لكنهُ محافظٌ على أعراض النساء وأمنهم، رغم أنّ أحداً من الفريقين لم يتطرّق أبداً إلى جغرافية الفتوى والبيئة التي أنشأت هذا الفهم، مثلُ ذلك كثير.. ففتاوى الشافعي في العراق والتي تراجع عنها في مصر لم تكُن تناقضاً أو خطأ منه، ولكن الطبيعة اختلفَت بين عادةٍ وعادة، وبين تكوينٍ وتكوين، الشرعُ الذي جاءَ من الله.. جاءَ مناسباً لكلّ أهل الأرض، لكنّه لم يجئ ليضعَ أهل الأرضِ في عادةٍ واحدةٍ وثقافةٍ موحدة، جاء ليناسب كلّ الثقافات والأعراف والطبائع، جاء ديناً وسطاً يحافظ على أعراف الناس المقبولةِ ويُلغي السيء منها، لكنّ الدينَ لم يكُن لأحدٍ أو بيده، فلو كانَ فهمُ العامّةِ القاصر قابلاً لتأويل النصوص لما برزَ من العلماء أحد، لكنّ اللهَ اختصَ بعلمهِ من يشاء.. فتفاوتَ الناسُ بين عالمٍ وعامة، وإذا أفتى العالِمُ راجعهُ الناسُ ليفهموا، ووافقهُ الحاكمُ لما فيهِ مصلحةٌ للبلاد.
نعودُ لقضايا التعنيف.. وأعجبُ لمَن يظنّ أنّ حلول التعنيفِ في الخارجِ جاءت في أوّلها إسقاط الولاية وفي آخرها سجنُ المعنِّف، إنّ ما في خارجِ البلدِ يظلّ خارجَهُ طالما لم يوافق مبادئ الأغلبية، وحلول الغربِ لهذه القضايا لم تَحُدّ منها.. بل جعلت بعض نسائهِ مشرّداتٍ وبعضهنّ في دور رعاية، وأنا أتكلم عن المعنّفات وليس بقية الشعب، يمكنُ للمعنّفةِ أن تلجأ للدولةِ كي تُنهي ما تواجهه، لكنّها لن تلجأ لأحدٍ لو لم تجِد ولياً، وإسقاط الولايةِ يعني أنّ بيدها السفر هرباً بدل اللجوء للدولةِ طلباً للإنصاف، وأنا أؤمنُ أنّ هذه هي أهمّ نتيجة يريد المطالبون بإسقاط الولاية الوصول إليها، أن تجد المرأة حرّيةً تكفي لما وصلت إليهنّ سابقاتها، كم وقعَت بين أيدينا مقاطع فيديو تحكي معاناة اللواتي هربْن من بلادهنّ وأهلهنّ، وكم منهنّ تجرأة على العودة بعد أن علمت خطأها وما وصل إليه حالها؟
في النهاية.. أعلم يقيناً أنني لم أُثِرْ ما لا تعلمونه من جوانب هذه القضية، فما تعلمونه أعلمهُ أنا، لم أطرح الحلول لأننا ننظّر بناءً على معطياتٍ ينقصنا الكثير منها ويعلمها أولوا الأمر وحدهم، لكنني في المقابل.. أتمنى أن تقفَ كلّ مطالباتِ إسقاط الولاية، ليس فقط لأنها خاطئة، بل لأنّ كثرة الخوضِ فيها أخرجَت لنا المندسّين والملحدين والمشردين والمتربصين من جحورهم، ونحنُ نخشى على عقول فتياتنا المراهقات منهم، أما الذين سبقَ لهم أن انجرفوا في وحل الرذيلةِ بعد أن تجرّعوا الوهم.. فآنَ لهم أن يعودوا لوحلهم صامتين!
**
سارا علي آل الشيخ – كاتبة في صحيفة الإرادة الإلكترونية
Twitter: @saaraali_14