علاء طالبي: الحملات الشبايبة أعادت الثقة إلى الحركة الاجتماعية الشعبية في تونس

قال رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية علاء طالبي إن الحركات الشبابية التي رفعت شعلة الاحتجاج ضد سياسة السلطة والحكومة أعادت الثقة إلى الحركة الاجتماعية بصورة عامة، مشيرا إلى أن رد السلطة كان التشويه والقمع.
وقد اشتغل علاء طالبي في معهد البحوث الفرنسي بمصر ثم في إيران وسوريا، ليعود إلى تونس بعد الثورة ضد الرئيس زين العابدين بن علي في يناير/كانون الثاني 2011 ويتولى مهمة هيكلة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وفيما يلي نص الحوار الذي أجريناه معه في مقر الهيئة، الواقع بشارع فرحات حشاد بتونس العاصمة.
“التعاطي الأمني القمعي استمر خلال المظاهرات الأخيرة ضد قانون المالية”

كيف تنظر إلى الحركات الاحتجاجية الشعبية، مثل “مانيشك مسامح” و “فاش نستناو”، التي يقودها الشباب التونسي ضد قوانين الحكومة سواء السياسية أو الاقتصادية؟
الحركات الاحتجاجية الشعبية في تونس لم تبدأ بعد سقوط نظام (الرئيس المخلوع) زين العابدين بن علي، بل تمتد جذورها للقرن التاسع عشر. فقد وقعت مظاهرات شعبية في 1978 وفي 1984 و2008 وصولا إلى 2011.
والحملات الشبابية التي نعيشها اليوم أعادت الثقة إلى الحركة الاجتماعية الشعبية، وجعلتنا نكتشف جيلا جديدا من الشباب ما زال يؤمن بأن هناك مسارا ثوريا يجب أن يستكمل. ولكن ما أعيبه عليها هو الارتباط بمرحلة معينة، أقصد أن إسقاط قانون المالية لا يكفي، بل يجب أن تكون لديك أفق لما بعد ذلك، ولا يمكن الاستمرار فقط في حملات وقتية قد تنتفي بانتفاء سببها.
هذا يدعم فكرة أن هذه الحركات الشبابية يجب أن تشتغل على التشبيك، وأن تكون عندها رؤية سياسية واضحة على مدى متوسط أو بعيد. وما يميز الحركة الاحتجاجية ضد قانون المالية 2018 هو بروز حركة التكسير منذ البداية، وكأن جهة ما خططت لها مسبقا لأجل نزع الشرعية عن الحركة الاحتجاجية الشعبية السلمية بحد ذاتها.
وما يميزها أيضا هو مدى انتشارها في الجهات بفضل حملة “فاش نستناو” الواسعة والمنفتحة على المجتمع المدني وعلى الأحزاب السياسية، إذ طالت المظاهرات 18 محافظة [ولاية] من أصل 24.
هل برأيك هذه الحملات الاحتجاجية مؤهلة لتستمر أو تشتد بحكم تردي الوضع الاقتصادي واحتقان المجال السياسي في البلاد؟
طبعا ستستمر وتنتشر. فاليوم هناك نوعان من الحملات، من جهة الحركات الاجتماعية عبر تنسيقياتها الجهوية والوطنية والتي تضم عددا كبيرا من الشباب الذي يحمل ويعبر عن مطالب واضحة تمس التشغيل وتتبنى منوالا تنمويا جديد يقطع مع الخيارات السابقة.
ومن جهة أخرى، هذه الحركات الشبابية الجديدة التي تجعلنا نكتشف في كل مرة وجوها جديدة. ومع تنامي عدم الثقة في الأحزاب السياسية وفي الخيارات الموجودة، وكذلك الرغبة في استمرار شعلة الثورة، هناك العديد من الحملات الشبابية الأخرى التي يمكن أن تنتشر وتكبر.
غالبية الموقوفين أعمارهم تتراوح بين 15 و19 عاما في بلد يشهد نسبة انقطاع مدرسي مبكر عالية جدا”

وهناك اليوم على الأقل في الشارع حملتان هما “مانيش مسامح” و”فاش نستناو”، ويمكن لهذا أن يعطي زخما أكبر للمد الشبابي مع زيادة التنسيق فيما بينها.
وهناك نقطة مهمة أخرى، هي أن وجود هذه الحركات لا يقتصر على العاصمة وإنما يمتد للمحافظات والجهات، ما يعطيها نوعا من التواجد في كل مكان، يمكن أن يأخذ بعدا آخر مع تواصل محاكمات الحركات الاجتماعية، خاصة أننا سنعيش في شهر أيار/مايو المقبل انتخابات بلدية ومحلية قد تؤدي بها إلى لعب دور بارز، ويجعلها تمتد أكثر في كافة أرجاء تونس.
كيف تتعامل السلطة والحكومة مع هذه الحركات الشبايبة؟
السلطة اختارت نهجين. النهج الأول هو التشويه، وهذا رأيناه جيدا في التعاطي الإعلامي مع “مانيش مسامح” و”فاش نستناو”، إذ تقدم هؤلاء الناشطين الشباب كأنهم “شباب متهور” لا يعرف مصلحة البلاد ولا مصلحته الذاتية ولا يتحكم في نوعية خياراته، يعني كأنه شباب غير مسؤول وليس في وضع اتخاذ القرار.
والنهج الثاني هو أمني. فقد كان هناك تعاط أمني سلبي مع حملة “مانيش مسامح”، على الأقل من أيلول/سبتمبر 2015 وحتى في 2016، إذ تم قمعها حتى في الجهات، كما قمعت بعدها حملة “فاش نستناو”.
واستمر هذا التعاطي الأمني القمعي في المظاهرات الأخيرة ضد قانون المالية، إذ وقعت إيقافات عشوائية، وبلغ عدد الموقوفين 800 (حسب إحصاءات وزارة الداخلية) من دون أن نعرف من أوقف في إطار تكسير أو سرقة ومن أوقف خلال مظاهرات سلمية مطالبة بتعديل أو إسقاط هذا القانون.
فالمسألة واضحة، والأخطر أن غالبية الموقوفين أعمارهم تتراوح بين 15 و19 عاما في بلد يشهد نسبة انقطاع مدرسي مبكر عالية جدا منذ سنة 2011، إذ بلغ عدد الأطفال الذين غادروا المدرسة تلقائيا وصل في 2012 و2013 إلى أكثر من 120 ألف تلميذ، ليستقر معدل الانقطاع في حدود 70 ألفا في كل سنة. ويحدث هذا في بلد يفرض فيه الدستور التعليم الإجباري حتى سن 16 عاما.
هؤلاء الشباب، حتى لوكانوا مخربين كما تسميهم السلطة ووزارة الداخلية، هم ضحية سياسات الدولة الإقصائية والثقافية والتهميش الاجتماعي. فسلطة لا تشجع الحوار مع الشباب لا يمكن إلا أن تدخل في صدام معه.