الوزير اليتيم .. يشبه الشعب

عندما نطالب وندعو كمواطنين دائما لأن يتم توزير أشخاص من الطبقة المتوسطة، فنحن نطالب بهذا لأن أبناء هذه الطبقة هم الأكثر قربا من الطبقتين، والأكثر فهما وتفهما لتطلعات الطبقة المتوسطة والأكثر قربا وإحساسا بطبقة ذوي الدخل لمحدود، ويعون تماما ماذا تعني لـ ٩٠% من الكويتيين الأيام العشر الأخيرة من كل شهر، اذ «تصفر» جيوبهم طوال تلك الأيام بانتظار هطول «مطر الراتب».
الحكومة المشكلة من وزراء من أبناء النخبة غالبا ما يكونون أبعد عن تطلعات البسطاء، لذا تأتي قراراتهم بعيدة كل البعد عن أبسط طموحاتهم، حتى ان كانوا ناجحين في الجانب السياسي أو الإصلاحي في عملهم، وهو لا ننكره على بعض الوزراء من أبناء الطبقة تلك الا ان قراراتهم أيضا أحيانا فيما يتعلق باحتياجات الطبقتين المتوسطة والدخل المحدود تأتي مختلفة لأرض الواقع.
وزير العدل د. فالح العزب أنموذح لكويتي من الطبقة المتوسطة تم توزيره، وما كنت لأكتب هذه المقالة لولا انه قال خلال تدشين خدمة القصر المتنقلة التي تخدم الأيتام من المشمولين في الهيئة العامة للقصر: «الحمد لله الذي مكن اليتيم من أن يصبح وزيرا، وجعلني كأحد أبناء شؤون القصر في يوم من الأيام وزيرا للعدل، وبعد ذلك بصفتي رئيسا لمجلس ادارة القصر».
فالعزب كان احد الأيتام المشمولين برعاية الهيئة العامة للقصر، وقال انه كان كيتيم يتكبد عناء الطريق لإنجاز معاملته او تخليص مستحقاته في تلك الفترة، قبل ان يصبح وزيرا وينشئ تلك الخدمة المتنقلة التي تذهب إلى القصر إلى حيث سكنهم لإنجاز معاملاتهم، وهي بالمناسبة خدمة رائدة ومبتكرة، ولولا انه كان يستشعر حاجة الأيتام لما طرأت له تلك الفكرة، ولما أطلقها، بل ربما لم تكن لتمر على خاطره أصلا.
هذا الأنموذج يبين وبالدليل الحي ان الأقرب للناس هو الأقدر على فهم احتياجاتهم ومتطلباتهم وأحلامهم وطموحاتهم والقرارات التي تتناسب مع تحقيق ما يسعون اليه دون دراسات ولا مستشارين يكلفون الملايين، قرب الوزير للمسألة وتلمس حاجات الناس يغنيه عن ألف دراسة فيما لو أراد استصدار قرار او استحداث قانون يقدمه لمجلس الأمة عن عشرت الدراسات واللجان.
نعم، نريد وزيرا يذهب بنفسه إلى الجمعية ويعرف فروقات الأسعار، وزير يشتري «ماجلة البيت» بنفسه، نريد وزيرا يذهب بسبارته الى الكراجات، نريد وزيرا يعرف ماذا يعني ان يتسلف المعزب من السائق في اليومين الأخيرين، نريد وزيرا يعلق في الزحمة على الدائري الخامس في طريقه الى مقر عمله بعد ان يوصّل ابناءه الثلاثة إلى مدارسهم، نريد وزيرا يعرف ماذا يعني ان يستقطع من راتبه 30 ـ 40% ليدفع ايجار بيته، نريد وزيرا يعرف ماذا يعني ان يتأخر في دفع قسطين مستحقين لشركة او لبنك، وزيرا يعرف همّ تدريس الأبناء وما تفعله الدروس الخصوصية.
نريد وزيرا يشبه 90% من الشعب، عندها ستكون الحكومة أقرب آلى الناس، وستكون القرارات التي تخرج عنها اصلاحية حقيقية لأن الهدف من الحكومة ليس تسيير شؤون البلاد بصفتها سلطة تنفيذية، بل لخدمة الناس، ومن باب خدمة الناس سيتحسن التعليم والصحة، وستنهض البلاد في كل المناحي بشكل طبيعي دون دراسات ولا خطط تنمية ولا أحلام ولا اجتماعات.
**
بقلم ذعار الرشيدي – جريدة الأنباء