إقليمي وعالمي

داعش يخسر 80% من إيراداته ويبتدع وسائل لتهريب “الغنائم”

في ظل احتدام المعارك ضد تنظيم “داعش” في كل من العراق وسوريا، وخسارته مساحات كبيرة من المناطق التي سيطر عليها منذ 2014، بات الشغل الشاغل للتنظيم المتطرف جني المزيد من “الغنائم” بأسرع وقت ممكن قبل أن يمحى أثر دولة خلافته المزعومة، ومن ثم نقلها بطرق شتى خارج العراق وسوريا.

وبحسب ما استخلصته “العربية.نت” من تقرير لمؤسسة IHS Markit البحثية، لم يعد التنظيم المتطرف يجني سوى 20% فقط مقارنة بإيراداته قبل الحملة العسكرية المزدوجة ضده في العراق وسوريا.

وتشير التقديرات إلى أن متوسط الإيرادات الشهرية لـ”داعش” هبط إلى 16 مليون دولار في الفترة من أبريل حتى يونيو 2017، مقابل 81 مليون دولار جناها التنظيم شهرياً في الفترة نفسها من 2015، أي ما يشكل انخفاضاً بـ 80%، فيما عمق تقلص المساحات التي يسيطر عليها، من خسائره في الأسابيع الأخيرة، خاصة بعد استعادة القوات العراقية لمدينة الموصل إلى جانب التقدم الذي تم إحرازه في الرقة السورية.

وتتزايد الضغوط على التنظيم المتطرف، مع تقدم “قوات سوريا الديمقراطية” بدعم من واشنطن في الرقة شرقي سوريا، بينما دفعه تقدم القوات الموالية للنظام السوري نحو مدينة دير الزور. أما في العراق فبعد خسارة الموصل تنتظر التنظيم هزائم جديدة في الحويجة وتلعفر والقائم، وسط توقعات بسقوط “دولة الخلافة” مع نهاية العام.

تجارة النفط.. حتى الرمق الأخير

تقلصت عائدات بيع النفط المنهوب من حقول النفط العراقية والسورية – المورد الأساسي للتنظيم بما يقارب 90%، فيما هبطت إيرادات الضرائب التي يفرضها على السكان المحليين وعمليات المصادرة بنحو 80%، مقارنة بتقديرات العام 2015.

ويقول محللون في IHS Markit إن قيمة الضرائب التي يفرضها التنظيم بلغت سقفها، ولا يستطيع رفعها أكثر لتعويض النقص في الإيرادات.

ونقلت “فاينانشال تايمز” عن مصادر محلية أن “داعش” في سباق محموم لإنتاج النفط من أجل جمع ما استطاع من أموال، ونقلها إلى الخارج عبر قنوات سرية، أو ضخها في استثمارات للحصول على عوائد تضمن استمرار تدفق التمويل، لبقاء التنظيم حتى بعد خسارته في العراق وسوريا.

وقد استطاع “داعش” استغلال عدم الاستقرار في سوريا ليتمدد منها صوب العراق في صيف 2014، ما ساعده على أن يتحول في غضون شهور قليلة إلى التنظيم الإرهابي الأغنى على الإطلاق، نتيجة شساعة الأراضي التي سيطر عليها وغناها بحقول النفط والغاز والمواقع الأثرية، فضلاً عن الكثافة السكانية الكبيرة، خاصة في الموصل ثاني أكبر مدن العراق، التي حولها إلى “منجم ضرائب” بامتياز.

ورغم خسارته للأراضي والضربات الجوية التي أصابت بعض منشآت النفط التي تقع تحت سيطرة التنظيم، إلا أن فيديو مسربا نشرته وكالة “سبوتنيك” الروسية قبل أيام رصد عشرات الشاحنات المحملة كل منها بما لا يقل عن 200 برميل من الخام، وفقاً لما أكدته “فاينانشال تايمز” في آخر تقرير لها، حيث لايزال تحت قبضته اثنان من أهم حقول النفط السورية وأكثرها إنتاجاً وهما “العمر” و”التنك” اللذان مازالا ينتجان تحت الظروف الحالية 25 ألف برميل يومياً.

وأضافت الصحيفة أن 60 شاحنة مرت تباعاً في اتجاه المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، في ظرف لحظات، ما يؤكد استمرار تجارة النفط المنهوب من قبل “داعش” رغم دخوله في مواجهات عسكرية متعددة الجبهات، ورغم الضربات الجوية التي تستهدف قوافل مهربي النفط.

وكشفت مصادر “فاينانشال تايمز” أن التنظيم مازال قادراً على جني ما قد يصل إلى المليون دولار يومياً من بيع النفط، من خلال التمسك بأسعار تتراوح بين 20 و45 دولاراً للبرميل -تبعاً للجودة- مع ارتفاع حدة المخاطرة نتيجة القصف الجوي.

وكانت “العربية.نت” قد كشفت في تقرير نشرته في 2015، تفاصيل تجارة النفط المنهوب من قبل التنظيم وقنوات توزيعه ومشتريه.

وبعد قطع طريقه صوب المنفذ الشمالي الغربي من سوريا الذي كان سوقاً مهمة لتصريف “نفط داعش” خارجياً خاصة إلى تركيا، استدار التنظيم صوب مناطق النظام السوري لتعزيز تجارته مع أفراد مقربين من نظام الأسد، في ظل النقص الشديد في مصادر الطاقة الذي تعاني منه مناطق النظام مع العقوبات الغربية المفروضة، وعدم كفاية الدعم الإيراني.

عملة وهمية

من ناحية أخرى، لجأ تنظيم “داعش” إلى فرض عملته في المناطق التي سيطر عليها، فاستطاع بذلك سحب سيولة كبيرة من الدولار والعملة السورية، بعد أن أصبح السكان مجبرين على تداول العملة الجديدة التي لا تستند إلى أية دعائم مالية أو اقتصادية، واستبدال ما لديهم من عملات في مكاتب الصرافة التي تتبع في معظمها للتنظيم.

وأشارت “فاينانشال تايمز” في تقريرها إلى أن “الدينار الداعشي” يتم بيعه بقيمة تفوق الأسعار الفعلية للذهب، وبحسب توقعات رجال أعمال محليين فإن التنظيم استطاع بيع ما يفوق 100 ألف “دينار”، وبالتالي جني مئات الآلاف من الدولارات.

“الحوالة”

سباق التنظيم المحموم لتهريب الثروة الضخمة التي جمعها في كل من العراق وسوريا بات يرهب الغرب، خاصة أنه يعتمد على طرق غير منتظمة وصعبة التتبع، على رأسها أنشطة تحويل الأموال التي تتم خارج النظام المالي العالمي ولا يمكن تعقبها بسهولة، خاصة أن داعش نقل المعركة إلى أوروبا من خلال تجنيد المقاتلين وتمويل الشبكات الإرهابية.

فمع شح الموارد نتيجة الحرب والرقابة على تحركات الأموال في سوريا، أصبح معظم السكان يعتمدون على التحويلات المالية من أقاربهم المقيمين في الخارج مع اتساع قاعدة الهجرة السورية. وعلى إثر ذلك انتشرت أنشطة تحويل الأموال التي لا تستند إلى نظام محدد بل تعتمد على العلاقات الشخصية والصلات العائلية.

وقد لجأ داعش إلى استغلال هذه الشبكات لتهريب أموال التنظيم الضخمة، دون إثارة الشبهات، بحسب ما شرحته “فاينانشال تايمز”، إلى جانب عقده لصفقات مع تجار محليين لمساعدته في نقل كميات من الأموال بشكل يومي.

غسيل أموال

في وقت سابق، أبدى مسؤولون في الاستخبارات الغربية قلقهم من احتمالية أن يكون “داعش” قد لجأ إلى ضخ أموال في بعض المشاريع في إطار عمليات غسيل للأموال، ليس فقط لإخفائها بل لاستثمارها وجني الأرباح. ويعتقد بأن التنظيم اشترى مكاتب صرافة وشركات صيدلة ومشافي وفنادق خاصة في العراق، بل هناك مخاوف من أن “داعش” قد يستغل قنواته لاقتطاع نصيب من مشاريع إعادة الإعمار في كل من العراق وسوريا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى