شتات قلم وتشتت أفكار

عند الكتابة ليس للعقل كلمة بقدر مسيرة القلم، القلم هو الذي يخط ما يريد ويبدع بما يشعر، للكتابة مشاعر كما للروح، ولها طقوس وإن كان الجميع معك، الكتابة وحدة وحيرة هي العزلة الأهم وهي الإلهام والغوص ببحر ليس له مخرج إلا عند النقطة الأخيرة، عند النقطة الأخيرة تشعر بأنك عدت للعالم الذي انفصلت عنه قبل الكتابة، ها أنا أكتب بأحد الأماكن العامة ولا أفقه شيء بما يدور حولي، فكل ما أفقه الآن أني أكتب، ولا أعلم ما الذي أكتبه، إن كل ما نكتبه عبارة عن فضفضة، ولا فضفضة بلا ألم!
كل كاتب يشعر بألم بداخله وإن كان لا يعلمه، وكل ألم له طريق قد لا نعرفه وإن كنا نعرف بعض ملامحه، هذه الأسطر أعلاه تعيدنا لأشياء كلما حاولت الهروب منها عدت، كشبح يطاردني لا أعرف الفرار منه وإن حاولت، بعض الملامح والأشخاص أشياء تعيدك للوراء بحلاوته وقساوته، إن القساوة التي نصمت عنها في الحاضر تعود إلينا بالمستقبل بشكل أشباح لا مفر منها، أصوات وأرواح وذكريات، ممرات وطرق وأكاذيب كنا نصدقها بأمزجتنا ونعلم بأنها زائفة، نبتسم لنخفي ألمها للمستقبل الذي يحين اليوم! ما أكذب الوعود وما أصدق الراحلين!
أنت تحتاج لكتابة أشياء مبعثرة حتى تعيد ترتيب أفكارك، كهذه المقالة مثلاً، قد لا يكون لها أي معنى للقارئ ولكن معانيها كثيرة وغزيرة للكاتب نفسه، يجمع الشتات بقلمه في مقالة ممزقة، أحبار تجهش بالمشاعر، ومشاعر تولد بالذكريات، وذكريات تموت بالراحلين، وراحلون أموات ولكنهم أحياء… كلنا أطفال من الداخل إن تمزقنا، ولنا مخالب حادة إنْ خدعنا ولكن هذه المخالب قد تمزقنا أنفسنا إنْ كنا لا نهوى تمزيق الآخرين!
هذا الليل يمحيه النهار، وهذا النهار يقتله الليل، وهذه الذكريات لا يمحيها أو يقتلها أحد، ولكنها تمزقنا من الداخل، مرض لا علاج له، كلما تقدمنا بأعمارنا ازدادت الجروح وتعاظمت العبر، والحمد لله على كل حال.
**
محمد العراده – رئيس تحرير صحيفة الإرادة الإلكترونية
Twitter: @malaradah