قلم الإرادة

أيام الصين والعبدلي والبوكيمون

من أراد معرفة معنى المثل المشهور “الأيام دول” هنا فيجب عليه مراعاة فروق التوقيت الثقافي بين المجتمعات وضواحيها، فنحن نتعامل معه حرفياً لا بمعناه التاريخي أو الفلسفي وأيام الاسبوع – والعهدة على رواة مواقع التواصل – مقسمة بين الدول، يوم السبت نناقش فيه قضايا دول الغرب فنمدح ديموقراطيتهم التي “تمشي على عجين الصناديق ما تلخبطوش” ونذم مؤامراتهم التي تريد سرقة كحل مواردنا من عين دنانيرنا بالإضافة طبعاً لدور الهمبورجر في إضعاف خصوبتنا العربية العتيدة، أما يوم الأحد فنخصصه لآسيا لنأخذ دوار آسيا يمين ونخلي تايوان على حجاجنا الأيمن لنقف “بمسافط” التنين الصيني الذي ينفث نار “اليوان” باتجاه الغلاف الجوي للدولار ثم ناخذ لفة بحر الصين “فوق حدر” لنطل على اليابان العصامية التي لا تملك نفطاً ولا قصديراً وتعيش على دعاء والديها، السيد إرادو والسيدة إبداع وطبعاً لازم نرجع “قري” لنطل على مشاكل فتوة حارة كوريا الشمالية التي يستخدم نبوت النووي لتخيف زعران القوى العظمى وتوابعهم.

أما يوم الاثنين فمخصص لمشاكل إفريقيا البيضاء والسوداء ومجاعاتها وحروبها الأهلية الرمادية، بينما يوم الثلاثاء مخصص لأميركا الجنوبية وولديها ميسي ونيمار ومعاركهم الفوتبولية مع الفرنجة من الاندلس حتى أقصى بلاد الفايكنج، ويوم الأربعاء نخصصه لمناقشة الأزمة الخليجية، وهل الأمر حصار أم مقاطعة أم أنه زعل عادي يحدث بأحسن الأسر العالمية! والدول بالخليج (كما قال لي صديق عزيز يعمل مأذوناً شرعياً في الصباح ومحللاً سياسيا في المساء) ما لها إلا بيت مجلسها و”ورعانها” الإعلاميين الذين يعيثون خراباً بشارع مجلس التعاون حتى أزعجوا جيراننا الدوليين.

ثم يأتي يوم الخميس المخصص لمناقشة قضية الأقصى لتبدأ معركة هل نشجب أم نستنكر كالعادة أم أن طمث دورة هذه العادة العربية الشهرية انقطع ووصلنا كأمة لسن اليأس ويا الله حسن الخاتمة!

يوم الجمعة هو الوحيد المخصص لمناقشة حالنا، فهو يوم عطلة والأعطال كثيرة والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه وقد وافق “شن” يومنا “طبقة” صوت تحلطمنا، نناقش موضوع خلية العبدلي فنختلف حول الاسم هل هو خلية العبدلي أم حزب الله أم إيران أم خلية “السيكو سيكو”! ثم نختلف حول إعراب الجملة ذاتها وهل الخلية هنا مبتدأ مرفوع فوق رؤوسنا كسيف ديموقليسام أنه منصوب لبعبع داعش وأخواتها كما يقول المدانون بكل قلة حياء ممنوعة من الصرف وطنياً، وكأن الدولة بجيشها ومؤسساتها وكالة بدون بواب ومجرد طاولة مطعم إنجليزي تتبع نظام “help your self”! وهل العبدلي أو حزب الله أو إيران أو السيكو سيكو مضاف إليك كمواطن أم أنه ضيف ثقيل حرم مستقبل موطنك لذة النوم، وأخيراً هل هو صفة تتبع الموصوف لباب الدار مع الاعتذار للكذاب طبعاً، وبعد الانتهاء من الإعراب وهو فعلاً أشد كفراً ونفاقاً من متهمي الخلية ذاتهم، ندخل في لعبة البحث عن بوكيمون الطائفة عبر شوارع التاريخ، هنا بوكيمون شيعي متطرف فجر بالثمانينات وهناك بوكيمون سني متطرف فجر بالتسعينات، ليستمر العبث الطفولي بينما الجميع – إلا من رحم الله – يصطحب آيفونه ويبحث هنا وهناك عبر حواري التصيد والتكسب عن بوكيمون طائفي ليضيفه لمجموعته ويكسب باللعبة ولا يهم بعدها إن خسر الوطن! عموماً الجمعة مباركة كل حال ولكن جمعتنا كمجتمع مفارقتها البركة وتفرقنا يكسر الخاطر فعلاً والله يصلح الحال وكل “أيام دول” وأنتم بخير.

 

فالح بن حجري – كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية

Twitter: ‪@Bin_7egri ‬

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى